السد النوفمبرى

يهتم هذا القسم بكل المعلومات عن وطننا الحبيب .

المشرف: بانه

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
كولابور
مشاركات: 16
اشترك في: الأربعاء 2008.10.15 6:14 pm
مكان: السعودية

السد النوفمبرى

مشاركة بواسطة كولابور »

الشـعب السـوداني يعـرف المبـاعث والأسبـاب
إن كثيراً من شعوب العالم تعرف أسباب معاناتها وتدرك أبعاد مشاكلها ... ومن هذه الشعوب يأتي الشعب السوداني في مقدمة الذين يعرفون مباعث هذه المشاكل .. بل هو يدري يقيناً محركاتها ؛ وغاياتها وعناصر افتعالها ؛ بل وكثير منها لازمته قبل الاستقلال . كثير منها بقى بعده يتفجر بين آونة وأخرى ...
مرةً في صورة تمرد لأحدى فصائل الجيش منذ ما قبل الاستقلال .ومرات في صورة انقلابات عسكرية تقتصر أو تطول حيناً من الدهر . وآونة أخرى في صيغة استنزاف طويل يحمل ملامح حرب أهلية ... وما هو ... هي ... ولكنه يشكل مظهرياً منظور البيت المتقسم والأسرة المتحاربة فيجد له من خارجه معيناً ومحّرضاً وداعماً ... فلا هو ينتصر لاستحالة النصر عليه ؛ ولا هو بمنهزم لأن جيوب تظهر هنا وتختفي هناك تبعاً لظروف مددها الخارجي ومدى استمالاته لها ..ولا هو مستقر يشارك في السلام والأمن ويفتح الطريق للتنمية .
وجاء العسكر ... تعرض تواصل الأجيال في السودان ... إلى ثلاث فواصل عسكرية ومدنية... كان لكل واحدٍ منها أثر سلبي وضرر مقيم على المسيرة الديمقراطية ... ففي 17نوفمبر 1958م أبطل انقلاب الفريق " إبراهيم عبود " ... رحمه الله . مشروعية الصراع الوطني الديمقراطي وحلّ الأجهزة المنتخبة ومنعها بالقوة من إصدار قراراتها الناشئة بين حكومة السيدين ... السيد عبد الرحمن المهدى والسيد "علي الميرغني " .... برئاسة الاميرالاى ... عبد الله بك خليل " رحمه الله . والمعارضة الحزبية ... التي كان يقودها الحزب الوطني الاتحادي برئاسة الرئيس " إسماعيل الأزهري " . كان عمر الممارسة الديمقراطية أربعة سنوات . وعمر الاستقلال ثلاث سنوات تنقص شهراً واحداً . وقد تمكن هذا الفاصل الذي عّمر ستة أعوام . من أن يوقف النبتة الديمقراطية ...وهي لم تزل غضة طرية وحرمت الأجيال المعاصرة من تعليم وتعلم وممارسة الشورى وإتقان العمل المؤسسي وفنون المزاولة الديمقراطية وتمليكها للجماهير بالتوعية والتعبئة . وقبعت التجربة اليافعة في سجن النظام العسكري الأول ليطويها النسيان وتتخلخل قواعدها في البنية السودانية تضفي الحماية والسلامة لخصومها وتحول بينهم وبين الهزيمة التي أوشكت أن تحيق بهم . فلولا الجدار العسكري الذي أحيط بهم لقطع دابر التدخل الطائفي في السياسة السودانية ولسقط إلى الأبد ظاهرة - النفاق السياسي - الذي صحب التجربة الديمقراطية معكراً صفاءها ومقيداً خطوها .. ومثقلاً ظهرها كوزرٍ وبيل . اكتمل خلال سني الانقلاب الأول صناع الاستقلال وشاخ بعضهم ... وفوجئت القواعد الشعبية برجال الجيش يمارسون مخاطبة الجماهير بنبرات عسكرية ويصدرون قرارات فورية . ويأمرون بقيام
ويعقدون هيئات تشريعية وينصبون من أنفسهم حكاماً عسكريين على المديريات . يأمرون وينهون ويقيمون ويقعدون بأوامر شفهية ومراسيم فردية تنهال في مدٍ غامر يتجزر معه العمل الجماعي وتضمحل المشاركة ويتلاشى شيئاً فشيئاً المظهر الديمقراطي الوليد !! ويشاهد رواده في السجون والمعتقلات ...
ويتعرض آباء الحركة الوطنية للنقد الجارح والإهمال المميت ويتحطم كل شئ في نفوس الذين صارعوا الاستعمار وأخرجوه وينقصهم شئ في عقولهم وتختلط أشياء في أفكارهم ويتمزقون بين حاضرهم وماضيها فتعمى الرؤية لمستقبلهم ويسدل عليها ستار كثيف هاهي الطرق التي سلكوها والتضحيات التي بذلوها والمعادلة التي ألفوها تختفى كلها من بين أيديهم ولا يبقى الا الصمت والطاعة ... صفتان لا تتلاءمان مع حيز الحرية التي اكتسبوه الجهر بالرأي الذي تعودوه ... ويبذل المجتمع وتشاركه الذبول نبتة الديمقراطية ولكنها لا تموت .... الحكـم النوفمـبري لـم يـكن فظـا وبما أن عهد الفريق عبود ... كان فترة تسليم وتسلم فانه لم يكن ديكتاتورياً فظاً ، ولا قاسياً غليظاً ... إلا في قتلة لخمسة ضباط حاولوا الإطاحة به وأخفقوا واستسلموا بلا مقاومة ... فليس إلى قتلهم من سبيل ... وضرب الأنصار بالنار في أحداث المولد .
صورة العضو الرمزية
كولابور
مشاركات: 16
اشترك في: الأربعاء 2008.10.15 6:14 pm
مكان: السعودية

رد: السد النوفمبرى

مشاركة بواسطة كولابور »

شكلّ انقلاب 17 نوفمبر سداً مفاجئاً ومانعاً للاندفاع الديمقراطي حبس خلفه طبائع الممارسات الاختيارية التي كان يتعاطاها الشعب السوداني في مقارعة الاستعمار ؛ أو في المنافسات التنظيمية التي كانت تمارس نشوءها وارتقائها آنذاك في مجالات الانتماءات الحزبية والتكوينات النقابية وكانت كلها فيما عدا الاحتكاكات العضوية في المواقع المختلفة تتجه إلى ممالاءت الاستعمار … لذا كان الحجم النامي من مجموعها يترعرع في رحاب مفعمة بالحرية التي يتمتع بها كل تنظيم ..ولا ترهبه الخشية من مواطنيه في الأحزاب والتنظيمات الأخرى كانت المجالات تحتشد بزخم ديمقراطي سلمى يحتد في الحوار السياسي والنقد ... ولكنه لا يلحق الضرر بالروابط الاجتماعية ولا يخلخل الصداقات ولا يقطع علاقات الود بين المتنافسين في الوزارات والمعارضات والصحافة ومجالس النيابية ... كانت البنية الاجتماعية سليمة ومرعية . ومهيبة مقدرة الجانب ... سامية ... لم تتنزل إلى درك الصراعات الشرسة والمشاكسات الهابطة والعراك الصدامي . وكانت قوانينها هذه تحكم الممارسة الديمقراطية وتتحكم فيها لأنها تملك حق الحكم عليها فإذا ماصدر ... بطل كل جدل لأنها مصدر الرضى الذي يسعى إلى الفوز به المتنافسون هذا الاعتبار للبنية الاجتماعية والعلم برموزها ومكوناتها هو الذي أطفأ النار الدموية التي اشتعلت في أول مارس كأول ظاهرة لهتك معادلات المجتمع السياسي . التي درج عليها وأول التحام بالسلاح لغرض رأى مضمخ بالدم ... وتحد لسلطة شرعية بالانقلاب العشوائي والهياج الغريزي ... ولكن المحاكمات فيها جرت كما تقتضي قوانين البنية الاجتماعية كلها ... ولم تتح لردود الفعل أن تخرج من قسطاس استقامته أو تميل مع الهوى ... فسلمت البنية الاجتماعية ... ولم تسقط الممارسة السياسية ولم تشوه مباريات المنافسة . كان فاصل 17 نوفمبر مانعاً للحوار مبطلاً للشورى ، محرماً للانتماء الاختياري الحر ... وبذا رسب خلف سده كل مكونات الشعب المولع بالمشاركة المحب للاستماع والاستماع الحر ، الاختيار ، والتروي ، والعزوف ... حتى الاستعمار نفسه كان يتحايل على هذه المكونات ويحاذر من الاحتدام بها احتداماً مباشراً ..وهو منذ : كرري " و " الشكابة " و " ود حبوبة " خلف قوانين العقوبات . حتى وهو يقمع المظاهرات التي سقط فيها الشهداء . ولكن نوفمبر أبتنى سداً دعمه السيدان ... ووقف في معارضته الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم إسماعيل الازهرى ..ثم تلاه حزب الأمة بقيادة الإمام الصديق حيث تكونت الجبهة الوطنية في مطلع الستينات .
صورة العضو الرمزية
كولابور
مشاركات: 16
اشترك في: الأربعاء 2008.10.15 6:14 pm
مكان: السعودية

رد: السد النوفمبرى

مشاركة بواسطة كولابور »

الأثـر النفسـي على مرعـيات التعامـل
أحدث هذا الفاصل العسكري أثراً نفسياً على مرعيات التعامل العتبرة في المجتمع السوداني ... وعلى أعرافه الطبيعية النابعة من ذاته ... وأحداث شروخاً في هيبة الكيان الديمقراطي ... ونالت من وحدة الإجماع عليه وزرعت حيرة في صفوف معتنقيه . كيف لهذا السد من التراب والرصاص أن يحد من ذلك التيار الكاسح الهدير ؟! وكيف مضي من إعتاد الخطى طوعاً واختياراً واقتناعاً ورضى وهو يسير في طريق وطرائق لم يألفها بالأوامر والزجر ؟! وهي أبجديات المنكرات للأمة وإفراد الأمة ؟!
هل تحسم القضايا بالقوة ؟ وهل تكمم الافوه وتصلب العقول وتغلب الحركة بالقهر ؟!
هل يكون الدين وتكون الدنيا لمن ينتهض فجراً يسرق قناع الآخرين بالسلاح الذي زودوه به وائتمنوه على حمله واستأجروه ليحمي أمنهم ؟! هل هو منهم أو أنه من غيرهم فأخطأوا في ائتمانه ؟! هل غفلوا عنه فشذ ؟! أم أفرطوا في الثقة به فأغتر ؟! هل تركوا له الحبل على غاربه فارتعى مرتعاً خارجاً وخيماً فجُنّ ؟!
كل هذا كان في المخزون خلف السد يعتكر !! وظل السد يرسل من أمامه ماءاً مقطراً خلواً من طمي الحياة .....
ما كان لغيره أن يُغرق " حلفا " على كرةٍ من أهلها !! ولو درى خبيئات الانقضاض عليه من داخله .. لعلم أنه جسر يتسارع على عبوره متربصان .
لماذا حتمية الفشل ؟!
ولكن الحكم العسكري لن يجدي نفعاً في السودان وأن طال مداه لأنه يخالف في مناقضة حادة طبيعة الفرد السوداني ... فهو يحس به قيداً ؛ ويراه سجناً وقفصاً ضيقاً وجهلاً مسلحاً … وأن أقام له مصانع ومشاريع وأن تودد إليه بمجالس ونيابات . أنه يجدها فاقدة الطعم مرسومة الخطى .. يحس فيها بالانقباض إذ يرى نفسه مسيراً وليس مخيراً كما هو .... وأنه مقيد وليس طليقاً كما هو ... وأنه عبد وليس سيداً كما هو .. وكل صُناعة قردة ضارية تتواثب على الدرجات . فكل دسم الديكتاتوريات عنده سم ... وكل عسلها عنده علقم .
ينطلقون من خيانة العهد وافتئات الأمانة ... ويزاولون ما لا يعلمون ... ويفعلون ما يجهلون ... ويلتصق بهم من لم تصل به دابته السقيمة إلى سطح الأحداث فيطوعون لهم العلم للجهل ... والنظرية للقوة .. والكرامة للسطوة ..والعدالة للظلم ..والحرية إلى السجن ….ويصنعون الخراب العلمي والدمار المنظم برهط سدنة العقوق والنكران فتذبل الحياة ويعتريها الشحوب . ولكنها لا تموت وإنما يصحبها رهق يعتريها بين الفينة والفينة كلما ضعفت أجهزة المناعة فيها ، عندما تتكالب عليها وافدات بعينها عميلٌ مقيم .
* عدة عوامل تضافرت على انهيار سد نوفمبر أو الحركة المباركة كما أسماها الفريق عبود فقد إستنفذت أغراضها المختلفة في داخل البلاد وخارجها :
( أ ) إستترت خلفها الطائفية السياسية فكتبت لها النجاة .
( ب) أكملت اتفاقية مياه النيل مما أمكن من قيام سد أسوان وترحيل أهالي حلفا وخلق مسطح مائي سيكون له أثره في خلق مناخ جديد .
( ج ) وافقت على المعونة الأمريكية .
هذا مالهم ولا يحسب ما على غيرهم ‘دانة لهم فاعتراض المسيرة الديمقراطية كان ممن هزم في إجراءاتها فلاذ بحيلة تنجيه من الإطاحة خارج مضمارها وهي إطاحة لا يتسنى له القيام بعدها أبداً .وما فكر الجيش يوماً في الحكم وقد رفض الرئيس إسماعيل الأزهري أول عرض بالانقلاب لصالحه وحرّمه ... كانت قوة دفاع السودان مثلاً تتمناه ليكون حارسها الأمين وحاميها المقدام رحمهم الله جميعاً . فقد خلف من بعدهم خلفً مغاير في كل صفةٍ من صفاتهم
* أفسح المجال لمحاولة تسييس جيش الأمة :وخلق خلايا الاستقطاب الحزبي داخله .
* بدأ مسابقة الصحو فجراً والعدو نحو الإذاعة . وأصيب الجسم القوي بعدوى الانقلاب الشائعة في الستينات .
*استشرى نوع المغامرين الذين يظنون أن الحكم خيلاء ومرحٌ ونزهة ممتعة ونبش يقلب سافل الأرض عاليها ثم يسويها بالتراب ويجلس على تلها حائراً مخبولاً . كانت هذه ظاهرة الستينات ... وهي من افرازات الحرب الباردة وراحت ضحية لهذه الظاهرة شعوبً وبلدان باسررها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث لم تجد طريقها السوى إلى الآن... فأن الانقلاب في أي أمة يفقدها عناصر النشوء الذاتي من أرض واقعها وعناصر تكوينها .ويصعب عليها كثيراً أن تعود إلى الجذور وستسير في مهمة التيه أزماناً تبعثر أجيالها ثم تلتمس العودة فلا تجده … لقد بعثرت أجيالها واغتالت زمانهم وأحلامهم وغيرت سلوكهم وحرمت عليهم القول والفعل والمشاركة في القرار ...صارت أرضا طاردة فلاذوا منها بالفرار ...صارت أرضا تعمرها الكراهية….ويحكمها الترصد والخوف .
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى السودان العام“