صفحة 40 من 62

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 9:22 am
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

تأملات في واقع المدينة قبل الهجرة

الواقع الديني

يتبيّن مما سبق أن المدينةكانت تسيطر عليها الوثنية من جهة ، واليهوديّة من جهة أخرى ، وإن كانت المظاهر الوثنيّة هي السمة الأغلب على المجتمع .
ويرجع السبب في ذلك إلى طبيعة اليهود العنصريّة ، التي لا تشجّع غيرها في الدخول تحت لوائها ، حيث كانوا ينظرون إلى الشعوب الأخرى نظرة احتقار وترفّع ، ويعتبرون أنفسهم شعباً مقدّساً اختاره الله من بين العالمين .
ولارتباط اليهود بالكتب السماوية ، كانت لهم مدارسٌ يتداولون فيها أخبارهم ، ويتعلّمون فيها أحكام دينهم ، وإن كان الكثير من معالم شريعتهم قد ضاع بسبب تحريف الأحبار وعلماء السوء .
ومن الأمور التي ظلّت محفوظة في دينهم ، البشارة بالنبي الذي سيُبعث آخر الزمان ، وذكر صفته وأحواله ، ويشير القرآن إلى ذلك في قوله تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ( الأعراف : 157 ) ، وكان اليهود يهدّدون العرب باتّباعه ويقولون : " تقارب زمان نبي يُبعث ، الآن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم " ، فشاع ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلم الناس قُرب بعثته ؛ ولذلك لمّا ذهب الأنصار إلى مكّة والتقوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يتردّدوا فيه تصديقه وقبول دعوته ، وقال بعضهم لبعض : " تعلمون والله إنه للنبي الذي توعّدكم به يهود ، فلا يسبقنكم إليه " .
أما ما يتعلّق بالوضع الديني لعرب المدينة فقد كان خاضعاً لسلطان الوثنيّة السائد في المنطقة ، حيث انتشرت مظاهر الشرك المختلفة من عبادة الأصنام وتعظيمها .
وكان لعرب المدينة أصنامهم الخاصّة بهم - ومن أشهرها : صنم مناة - ، وكانوا يقدّمون لها القرابين والنذور المختلفة ، ويطوفون بها كطوافهم بالبيت ، إلى غير ذلك مظاهر الشرك والضلال .- .
•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 9:23 am
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

تأملات في واقع المدينة قبل الهجرة

الواقع الجغرافي

تُعتبر المدينة النبوية ذات موقع هام ومتميّز ، بسبب وقوعها في طريق القوافل التجاريّة المتّجهة إلى الشام ، مما يتيح لأهلها إمكانيّة التعرّض لتلك القوافل ، وممارسة الضغوط الاقتصاديّة على أصحابها ، وقد استفاد المسلمون من هذا السلاح الهامّ في محاربة قريشٍ واستنزاف مواردها .
إضافةً إلى أنّ المدينة كانت محاطةً بعدد من الحواجز الطبيعية التي وفّرت لها نوعاً من التحصين والمنعة ، ولم تكن مكشوفة سوى من الجهة الشمالية التي بنى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – الخندق لاحقاً ، وهي صفات لم تكن موجودة في غيرها من المدن .

الواقع الاقتصادي
يأتي النشاط الزراعي على قائمة النشاطات التي اشتهر بها أهل المدينة ، ساعدهم في ذلك خصوبة الأرض ، وكثرة وديانها ، ووفرة المياه في باطنها.
وإلى جانب ذلك ، كان هناك النشاط الصناعي الذي اشتهر به اليهود ، ويشمل ذلك بطبيعة الحال : الصناعات الحربية المختلفة ، وأعمال النجارة ، وصياغة الحلي والذهب .

وعلى الرغم من التفوّق العددي للعرب آنذاك إلا أن السيطرة الاقتصادية كانت بيد اليهود، حيث استغلّوا حاجة العرب إلى المال لشراء البذور وأدوات الزراعة ، ولتغطية نفقات الحرب القائمة بين الأوس والخزرج ، فكان اليهود يقرضونهم بالرّبا ، ويغالون في الفوائد أضعافاً مضاعفة ، مستغلّين في ذلك نقص الموارد وقلة ذات اليد ، مما أوقع الكثير من العرب في الديون الثقيلة ، وجعلهم أسرى لمصّاصي الدماء وتجّار الحروب .
وأمام هذه السيطرة المحكمة أراد العرب أن يخرجوا من تلك الأزمة الخانقة التي صنعها اليهود ، فانطلقوا يبحثون عن المخرج من هذا الوضع الصعب ، ليجدوا مُرادهم في مكّة المكرّمة ، حيث الرسالة الرّبانية التي عاش الجميع تحتها في أمنٍ وأمان .•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:45 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

أوائل المهاجرين من الصحابة



اشتد الأذى بالمؤمنين في مكة حتي صارت جحيماً لايطاق ، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة حتي يأمنوا على أنفسهم ، ويقيموا شعائر دينهم ، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا ، وكان منهم سابقون إلى الهجرة، فمن أول من هاجر من الصحابة ؟ هذا ما سنستعرضه في مقالنا التالي

يتفق موسى بن عقبة و ابن إسحاق على أن أبا سلمة بن عبد الأسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة ، فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة .

وكذلك فإن مصعب بن عمير و ابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن .
وقد تتابع المهاجرون فقدم المدينة بلال بن رباح و سعد ابن أبي وقاص و عمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة .

وقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة إلى المدينة ، وإثارة المشاكل أمام المهاجرين ، مرة بحجز أموالهم ومنعهم من حملها ، ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم ، وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلى مكة ، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة ، فالمهاجرون كانوا على أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة .

قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ، ثم حملني عليه ، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ، قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة . قالوا : لا والله لاتترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، قالت : فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ، قالت : ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي ، سنة أو قريباً منها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي - أحد بني المغيرة - فرأى مابي ، فرحمني , فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ؟ قالت : فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت ، قالت : وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني .


قالت : فارتحلت بعيري ، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ، وما معي أحد من خلق الله . قالت : فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي . حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار , فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت : فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال : أو معك أحد ؟ قالت : فقلت : لا والله إلا الله وبنيّ هذا . قال : والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير . فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ماصحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه ، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه ، ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحّى إلى الشجرة فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدّمه فرحّله ، ثم استأخر عني فقال : اركبي ، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ، فقاد بي حتى ينزل بي ، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية - وكان أبوسلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة . قال فكانت تقول : والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة . وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة ).

وقد سقت الخبر بطوله لما فيه من دلالة على الصعوبات التي واجهها المهاجرون وهي تشير إلى أصر العصبية في اتخاذ العشائر القرشية مواقفها من الأحداث ، فقد انحاز قوم أبي سلمة إليه رغم مخالفتهم له في العقيدة ، ثم إن الخبر يكشف عن صورة من صور المروءة التي عرفها المجتمع القرشي قبل الإسلام تتمثل في موقف عثمان بن طلحة وتطوعه في مصاحبة المرأة وإحسان معاملتها مما يدل على سلامة الفطرة التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية ، ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:45 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

وثمة صورة تاريخية لحدث آخر هو هجرة عمر بن الخطاب كما حدّث بها بنفسه قال : ( اتعدت - لما أردنا الهجرة إلى المدينة - أنا و عياش بن أبي ربيعة ، و هشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب - موضع - من أضاءة بني غفار فوق سرف ، وقلنا أينا لا يصبح عندها فقد حبس ، فليمض صاحباه .قال : فأصبحت أنا و عياش بن أبي ربيعة التناضب ، وحبس عنها هشام ، وفتن فافتتن .

فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء ، وخرج أبو جهل بن هشام ، و الحارث بن هشام إلى عياش ابن أبي ربيعة - وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما علينا المدينة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - فكلماه وقالا : إن أمك قد نذرت ألا يمسّ رأسها مشط حتى تراك ، فرقّ لها . فقلت له : يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم .فقال : أبرّ قسم أمي ، ولي هناك مال فآخذه .


فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً , فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما . فلما أبى إلا ذلك قلت : أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول ، فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها ، فخرج عليها معهما . حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل : والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا , أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال : بلى . قال : فأناخ وأناخ ليتحول عليها ، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن .قال : فكنا نقول : ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم .


قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون } ( الزمر 53-55) .


قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة ، وبعثت بها إلى هشام بن العاص .

قال فقال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها . حتى قلت : اللهم فهمنيها . قال : فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا . قال : فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما ما روي من إعلان عمر لهجرته وتهديده من يلحق به بثكل أمه فلم يصح .

وهكذا وصلت طلائع الهجرة إلى المدينة المنورة ، ووجدوا الأمن والأمان ، والأخوة الصادقة من الأنصار، وأقاموا شعائر دينهم ، فلله الحمد والمنة.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:46 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

الهجرة النبوية ومنعطف التاريخ

تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء , فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف - ، وهي بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان ، إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي .

لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه الى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الانسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه ، وقد عبّر المهاجرون عن الحنين الى مكة بقوة وخاصة في أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم .

وتحتاج الهجرة الى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى ، كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري ، فضلاً عن ترك المهاجرين لأموالهم ومساكنهم بمكة . لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته ، واحتمال المشاق من أجل تنفيذه . فقد اختار الله مكان الهجرة ، كما في الحديث الشريف "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل ، فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر , فاذا هي المدينة يثرب" .

وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد .. دار الهجرة .. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده ..

لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب . وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء في الاسلام حتى شرعت في القرآن { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} - الممتحنة 10 - ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8هـ عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة واعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا ) .

والأمر بالهجرة الى المدينة لأنها صارت مأرز الايمان وموطن الاسلام ، وشرع فيها الجهاد لمواجهة الاعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب ، فكان لابد من إمدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} - البقرة 218 - {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة} - النحل 41 - {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} - النساء 100 - .


وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم ، فقد اعتبروا اهل السبق في تأسيس دولة الاسلام فنالوا رضى الله والقربى منه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم } - التوبة 100 - . وهكذا خلد الله ذكرهم في القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته الى آخر الزمان .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:48 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

الهجرة من سنن الأنبياء عليهم السلام
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد ، وأن يعقوب و يوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته . وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .

وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين ، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .

المنعطف الحاسم
لقد أدت الهجرة الى قيام دولة الاسلام في المدينة ، والتي أرست ركائز المجتمع الاسلامي على أساس من الوحدة والمحبة والتكافل والتآخي والحرية والمساواة وضمان الحقوق ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو رئيس هذه الدولة وقائد جيوشها وكبير قضاتها ومعلمها الأول . وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم شريعة الاسلام ، وكان القرآن ينزل بها منجماً ، فكان الصحابة يدرسون ما ينزل ويطبقونه على أنفسهم ، ويتعلمون تفسيره وبيانه من النبي صلى الله عليه وسلم فتكون جيل رباني تمكن من الجمع بين عبادة الله وعمران الحياة وعمل تحت شعار : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .

وفي خلال عقد واحد توحد معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام ، ثم انتشر في خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالاسلام ، واستظلوا بشريعته العادلة واقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:49 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

معجزات على طريق الهجرة

بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق، ووعده بالنصر والتأييد، وكان تأييده تعالى لرسوله بأمور كثيرة منها المعجزات والتي هي خوارق العادات، فقد وقعت له معجزات كثيرة ، ومنها ما كان على طريق الهجرة ، وهو ما سنقف عليه في هذه الكلمات.

وقعت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة , ولنقرأ ما سجله الصديق رضي الله عنه عن بداية الرحلة قال: (أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة , وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد , حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل , لم تأت عليه الشمس بعد , فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ثم بسطت عليه فروة . ثم قلت : نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك , فنام) . ثم حكى أبو بكر خبر مرور راع بهما , فطلب منه لبناً , وصادف استيقاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب ثم قال : ( ألم يأن للرحيل ) قلت : بلى . قال : فارتحلنا بعدما زالت الشمس , وأتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض .

معجزة في خيمة أم معبد :
وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى , فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا شاة هزيلة لا تدرّ لبناً , فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده , ودعا الله , وحلب في إناء حتى علت الرغوة , وشرب الجميع , ولكن هذه الرواية طرقها ما بين ضعيفة وواهية . إلا طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها (لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم .

قصة سراقة بن معبد :
ولندع رواية سراقة بن مالك تكمل الخبر التاريخي ففيها تفاصيل تكشف عن المعجزة النبوية . قال سراقة : " لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال : فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا عليّ آنفاً إني لأراهم محمداً وأصحابه . قال : فأومأت إليه بعيني أن اسكت . ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم , قال : لعلّه , ثم سكت ".
ثم ذكر سراقة خروجه في أثرهم , وأن فرسه ساخت به حتى طلب الدعاء له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ( قل له وما تبتغي منا ) ؟ فقال لي ذلك أبو بكر . قال قلت: تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك . قال : اكتب له يا أبا بكر ، فكتب لي كتاباً في عظم أو في رقعة أو في خزفة , ثم ألقاه إلي , فأخذته فجعلته في كنانتي , ثم رجعت فسكت , فلم أذكر شيئاً مما كان)) . ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه .

وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت , و أبو بكر يكثر الالتفات , كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئاً , وأن وصيته كانت : اخف عنا .

وتذكر رواية صحيحة أنه صار آخر النهار مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه أوله . وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا عليه فصرعه الفرس . وقد احتاط الاثنان في الكلام مع الناس الذين يقابلونهم في الطريق , فإذا سئل أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا الرجل يهديني السبيل , فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق , وإنما يعني سبيل الخير . وقد صح أن الدليل أخذ بهم طريق السواحل.

وبالجملة: فإن المعجزات جند من جنود الله تعالى أيد بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكرمه بها ، وكان لها الأثر الفاعل في إرساء دعائم دعوته المباركة ، والله الموفّق .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:51 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر

دروس ومعجزات علي طريق الهجرة

الابتلاء والاضطهاد وتوفير مكان آمن للدعوة يهيئ لها المناخ الملائم للعمل كان من أسباب هجرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه من مكة إلى المدينة .. فقد كانت قريش تضطهد من يتبع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهم بين معذب أو هارب أو مفتون في دينه ، وقد عبرت عن ذلك عائشة ـ رضي الله عنها ـ عندما سئلت عن الهجرة فقالت : ( .. كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخافة أن يفتن عليه ..)(البخاري) ..

ولما رأى المشركون المسلمين يهاجرون إلى المدينة خافوا من تجمعهم وخروج الرسول إليهم ليقودهم نحو تحقيق ما يريد ، ومن ثم تآمروا على حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأذِن الله تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى يثرب ..
فلم يكن اختيار يثرب داراً للهجرة مما اقتضته ظروف الدعوة فقط ، وإنما كان ذلك بوحي من الله تعالى ، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤكد ذلك ، منها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ـ وهما الحَرَّتان ـ ، فهاجر من هاجر قِبَل المدينة ، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر قِبَل المدينة ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : على رِسْلِك فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ ، قال : نعم ، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليصحبه ..)(البخاري) .

أَذِنَ الله تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى يثرب ، فخرج إلى منزل أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ .. وتصف عائشة ـ رضي الله عنها ـ هذا الحدث فتقول :
( .. فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة (شدة الحر) قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ متقنعا (مغطيا رأسه) في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .
قالت : فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستأذن فأذن له فدخل ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي بكر :أخرج من عندك ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله ، قال : فإني قد أُذِن لي في الخروج ، فقال أبو بكر : الصحبة ـ بأبي أنت يا رسول الله ـ؟ ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : نعم ، قال أبو بكر : فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بالثمن ..

قالت عائشة : فجهزناهما أحث (أسرع)الجهاز(ما يحتاج إليه في السفر) ، وصنعنا لهما سفرة (طعام للمسافر) في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ، فبذلك سميت ذات النطاقين .. قالت : ثم لحق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فكَمِنا (اختفيا) فيه ثلاث ليال ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب ثقف لقن (ذكي سريع الفهم) ، فيدلج (يخرج) من عندهما بسَحَر ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان (يُدبر لهما) به إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة (شاة) من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما ، حتى ينعق (يصبح)بها عامر بن فهيرة بغلس (ظلام آخر الليل) ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث .. واستأجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا (ماهر بالطرق) ،قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل ..)(البخاري).

وفي هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت معجزات حسية ، هي من أعلام نبوته ، ودلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته له ، ومن ذلك ما حدث على فم الغار ، وما جرى له - صلى الله عليه وسلم - مع أم معبد ، وما حدث مع سراقة بن مالك ..

يقول أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : ( نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه؟! ، فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )(مسلم)..
يقول النووي : " .. وفيه بيان عظيم توكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى في هذا المقام ، وفيه فضيلة لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وهي من أجَّل مناقبه .." .

وعن قيس بن النعمان قال : ( ..لما انطلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر مستخفيان ، نزلا بأبي معبد فقال : والله ما لنا شاة وإن شاءنا لحوامل ، فما بقي لنا لبن ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - أحسبه - : فما تلك الشاة ؟، فأتى بها فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبركة عليها ثم حلب عُسا (قدحا كبيرا) فسقاه ثم شربوا ، فقال : أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ ؟ ، قال : إنهم يقولون .. قال : أشهد أن ما جئت به حق ، ثم قال : أتبعك ؟ ، قال : لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا ، فاتبعه بعد )(البزار)..
وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاهدها أبو معبد فأسلم ..

ويصف أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ما حدث مع سراقة الذي أراد أن يقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليحصل على جائزة قريش التي رصدوها لذلك ، فيقول : (..فارتحلنا بعد ما مالت الشمس وأتبعنا سراقة بن مالك ، فقلت : أُتينا يا رسول الله ، فقال : لا تحزن إن الله معنا ، فدعا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فارتطمت به فرسه إلى بطنها ، فقال : إني أراكما قد دعوتما عليَّ ، فادعوَا لي ، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ، فدعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنجا ، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال : كفيتكم ما هنا ، فلا يلقى أحدا إلا رده ، قال: ووفَّى لنا )(البخاري).
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:51 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
قال أنس : " فكان أول النهار جاهدا (مبالغا في البحث والأذى)على نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له (حارسا له بسلاحه) "..

قال الماوردي : " .. فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عصمتُه من أعدائه ، وهم الجمُّ الغفير ، والعددُ الكثير ، وهم على أتم حَنَقٍ عليه ، وأشدُّ طلبٍ لنفيه ، وهو بينهم مسترسل قاهر ، ولهم مخالطٌ ومكاثر ، ترمُقُه أبصارُهم شزراً ، وترتد عنه أيديهم ذعراً ، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج عنهم سليماً ، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد ، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها ، حيث يقول : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(المائدة: من الآية67) فعَصَمَه منهم "..

لم تكن هجرة نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم - جديداً في حياة الرسل لنصرة عقائدهم ، فقد هاجر عدد من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم لنفس الأسباب التي دعت نبينا للهجرة .. فإبراهيم ـ عليه السلام ـ هاجر من موطنه إلى مصر وغيرها داعياً إلى التوحيد ، ويعقوب ويوسف ـ عليهما السلام ـ هاجرا من فلسطين إلى مصر ، ولوط ـ عليه السلام ـ هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته ، وموسى ـ عليه السلام ـ هاجر بقومه من مصر إلى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .. وكانت هجرة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتمة لهجرات النبيين ، وقد قال الله تعالى عنها : { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(التوبة :40)..

إن المتأمل لحادثة الهجرة ودقة التخطيط لها ، يدرك أن الأخذ بالأسباب في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قائما ، فقد شاء الله تعالى أن تكون الهجرة النبوية بأسباب مألوفة للبشر ـ من التخفي والصحبة والزاد والناقة والدليل ـ ، ولكن لا يعني ذلك دائما حصول النتيجة ، لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله ومشيئته ، ومن هنا كان التوكل واليقين والاستعانة بالله .. ولو شاء الله لحمل نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على البراق ، ولكن لتقتدي به أمته في التوكل على الله ، والأخذ بالأسباب وإعداد العدة ، والصبر والتحمل في سبيل الله ..

والهجرة كغيرها من أحداث سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعطينا القدوة والأسوة ، ففيها تتجلى دروس من التضحية والبذل ، وأهمية الصداقة والصحبة ، والله ينصر من ينصره ، وأن الصراع بين الحق والباطل قديم ، وهو سنة إلهية ، قال تعالى : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج:40) ، ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة كما قال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(المجادلة:21) ..

لقد كانت الهجرة النبوية أعظم حدث حول مجرى التاريخ ، وغير مسيرة الحياة ، وكانت فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية ـ المكية والمدنية ـ ، نقلت المسلمين من الضعف إلى القوة ، ومن القلة إلى الكثرة ، ومن عهد الدعوة إلى عهد اللبنة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة المنورة ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:52 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
وصول رسول الله إلى المدينة

كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه ، حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم ، حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه انتظروه حتى لم يبق ظل يستظلون به فعادوا ، وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم ، فبصر به يهودي فناداهم ، فخرجوا فاستقبلوه ، وكانت فرحتهم به غامرة ، فقد حملوا أسلحتهم وتقدموا نحو ظاهر الحرة فاستقبلوه .

وقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء .

ولما عزم رسول الله صلى عليه وسلم أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم .

وقد سجلت رواية أن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار ، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم و بأبي بكر وهما راكبان ، ومضى الموكب داخل المدينة ، ( وقيل في المدينة : جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت ، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون : يا محمد يا رسول الله , يا رسول الله .

قال الصحابي البراء بن عازب - وهو شاهد عيان - : " ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم "

أما تلك الروايات التي تفيد استقباله بنشيد ( طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ) فلم ترد بها رواية صحيحة .

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله ، هذه داري وهذا بابي . فنزل في داره .

وقد ورد في كتب السيرة أن زعماء الأنصار تطلعوا إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكلما مر بأحدهم دعاه للنزول عنده ، فكان يقول لهم : دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ، وكان داره طابقين , قال أبو أيوب الأنصاري : " لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا و أم أيوب في العلو , فقلت له : يا نبي الله - بأبي أنت وأمي - إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فاظهر أنت في العلو ، وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب : إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت . قال : فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء , فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه " .

وقد أفادت رواية ابن سعد أن مقامه صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب سبعة أشهر .

وقد اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ، وآثروهم على أنفسهم , فنالوا من الثناء العظيم الذي خلّد ذكرهم على مرّ الدهور وتتالي الأجيال ، إذ ذكر الله مأثرتهم في قرآن يتلوه الناس : { والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون} ( الحشر9) .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:53 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ثناء عظيماً فقال : ( لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار) و ( لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار .

وقد اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم وهم يرتجزون :

اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة

وقد بناه أولاً بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين ، وقد واجه المهاجرون من مكة صعوبة اختلاف المناخ ، فالمدينة بلدة زراعية ، تغطي أراضيها بساتين النخيل ، ونسبة الرطوبة في جوها أعلى من مكة ، وقد أصيب العديد من المهاجرين بالحمى منهم أبو بكر و بلال .

فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ ، وصححها ، وبارك لنا في صاعها ومدّها ، وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة) . وقال : (اللهم امض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ) .

لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة ، واستقروا في الأرض الجديدة مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة ، بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بالنفس ، حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . والحكم يدور مع علته ، ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه ، وإلا وجبت . ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر ، فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .

وعندما دون التاريخ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذت مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي ، لكنهم أخروا ذلك من ربيع الأول الى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم ، إذ بيعة العقبة الثانية وقعت في أثناء ذي الحجة ، وهي مقدمة الهجرة . فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم ، فناسب أن يجعل مبتدأ التاريخ الإسلامي. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:54 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
الأذان .. شعيرة الإسلام والمسلمين

كان المسلمون يصلون خفية في شعاب مكة وقت الضعف والاضطهاد ، أما وقد قامت دولتهم في المدينة ، فليجهروا بالأذان والإقامة ، وليركعوا مع الراكعين ..

فبعد هجرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة واستقراره بها بنى مسجده المبارك ، واجتمع شمل المهاجرين والأنصار ، وارتفع لواء الإسلام ، وأصبح المسلمون يجتمعون في المسجد للصلاة ، وكانوا يأتون وقت الصلاة بدون إعلام فيصلون وينصرفون ..

تشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه لإيجاد شيء يُعْلِم الناس بدخول الوقت لأداء الصلاة ، فقال بعضهم نرفع راية إذا حان وقت الصلاة ليراها الناس، فاعترضوا على هذا الرأي بأنه لا يفيد النائم ولا ينبه الغافل . وقال آخرون نشعل ناراً على مرتفع من الهضاب، فلم يقبل هذا الرأي أيضاً .. وأشار آخرون ببوق وهو ما كانت اليهود تستعمله لصلواتهم فكرهه الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ لأنه كان يحب مخالفة أهل الكتاب في أعمالهم . وأشار بعض الصحابة باستعمال الناقوس وهو ما يستعمله النصارى فكرهه الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ أيضاً .. وأشار فريق آخر بالنداء ، فيقوم بعض الناس إذا حانت الصلاة وينادي بها فقيل هذا الرأي ..

ثم تشرف برؤية الأذان في المنام أحد الصحابة الأخيار عبد الله بن زيد بن عبد ربه ـ رضي الله عنه ـ ، فأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ، والقصة بكاملها مروية في كتب السنة والسيرة .

عن أبى عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال : ( اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاة كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك . قال : فذكر له القنع - يعنى الشبور ( ما ينفخ فيه لإحداث الصوت )، وقال زياد : شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال : هو من أمر اليهود . قال : فذكر له الناقوس ، فقال : هو من أمر النصارى . فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأُرِىَ الأذان في منامه ، قال : فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره، فقال له : يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان ، قال : وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما .. قال : ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : ما منعك أن تخبرني؟! ، فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ، قال : فأذن بلال .. ) ( أبو داود )..

وكان بلال بن رباح ـ رضي الله عنه ـ أحد مؤذني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة ، والآخر عبد الله بن أم مكتوم ـ رضي الله عنه ـ ، وكان بلال يقول في أذان الصبح بعد حيّ على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، وأقرّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليها ، وكان يؤذن في البداية من مكان مرتفع ثم استحدثت المنارة (المئذنة) بعد ذلك ..

أخذ الجو يرتج بنداء التوحيد ، وصوت الأذان للصلوات يشق أجواء الفضاء خلال الصحراء ، ويدوي في الآفاق ، ويهز أرجاء الوجود ، ويعلن كل يوم خمس مرات بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وينفي كل كبرياء في الكون وكل دين في الوجود ، إلا كبرياء الله ، والدين الذي جاء به عبده محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن ثم كان أذان الصلاة ( الله أكبر .. الله أكبر) شعاراً لأول دولة إسلامية ..

قال ابن حجر : " قال القرطبي وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ، لأنه بدأ بالأكبرية : وهي تتضمن وجود الله وكماله ، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك ، ثم بإثبات الرسالة لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفيه الإشارة إلى المعاد ، ثم أعاد ما أعاد توكيداً ، ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت ، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام .. " .

هذه هي قصة الأذان الذي ينطلق به صوت المؤذن خمس مرات في اليوم والليلة في أرجاء الدنيا كلها ، ولا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء ، إلاَّ شهد له يوم القيامة ، كما أخبرنا بذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

وفي هذا الحدث من أحداث السيرة النبوية عِبَر كثيرة منها : أن رؤيا المؤمن صالحة وتحمل البشرى له ولمن رؤيت له ، وهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مخالفة اليهود والنصارى ومشروعية ذلك ، وبيان أن المؤذن صاحب الصوت الندي أولى بالأذان من غيره ، وفضل بلال ـ رضي الله عنه ـ وأنه أول مؤذن في الإسلام ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:54 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
بناء المسجد النبوي

عندما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة ، كان همّه الأول أن يوطّد دعائم الدولة الإسلامية الناشئة ، فشهدت الأيّام الأولى من وصوله القيام بعدد من الخطوات المباركة والتي من شأنها أن تؤمّن مستقبلها ، وتحمي أرضها ، وتنظّم العلاقات بين أفرادها .

وكانت أولى نسمات الخير التي أتت بها الهجرة المباركة ، بناء المسجد النبوي ، فبعد أعوام عديدة من حياة الخوف والقلق ، والمعاناة من الشدّة والتضييق ، والحرمان من المجاهرة بالشعائر التعبدية ، والاضطرار إلى الصلاة بعيداً عن أعين الناس في الشعاب والأودية ، أو خفيةً في البيوت ، إذا بهم يجدون حريّتهم الكاملة في أداء صلاتهم وإقامة شعائرهم دون خوفٍ أو وجل ، في بيوت الله تعالى .

وجاء إنشاء المسجد النبوي بعد وقتٍ قصيرٍ من مقدم النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان يصلي حيث أدركته الصلاة باديء الأمر ، ولم يمض أسبوعان على وصوله حتى شرع في البحث عن مكان مناسب للبناء ، واستقرّ رأيه على مربد - وهو الموضع الذي يُجفّف فيه التمر - كان ملكاً لغلامين يتيمين في المدينة يعيشان عند أسعد بن زرارة رضي الله عنه ، ووقع اختيار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك المكان عندما بركت راحلته فيه أثناء بحثه ، وقال حينها : ( هذا إن شاء الله المنزل ) رواه البخاري .

ثم طلب النبي – صلى الله عليه وسلم – من سادات بني النجار الحضور ومعهم الغلامين ليعرض عليهم شراء تلك الأرض ، وقال لهم : ( يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا – أي اطلبوا له ثمنا - ) ، فقالوا : " لا والله لا نطلب ثمنه " ، وقال الغلامان : " بل نهبه لك يا رسول الله " ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبى لعلمه بحاجتهما ، وعوّضهما بالثمن المناسب ، رواه البخاري .

وقبل الشروع في البناء كان على المسلمين تسوية الأرض ، وقطع النخيل ، حتى يتمكّنوا من صفّ الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك .

وما أعظم سرور الصحابة وهم يعملون جنباً إلى جنب ، بهمّة عالية ، وإرادة صلبة ، وعزيمة لا تلين ، ويروّحون عن أنفسهم بأبيات من الشعر تزيد من نشاطهم ، وتخفّف عنهم مشقّة العمل ، فمن ذلك قولهم :

هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشاركهم في نقل الحجارة وإنشاد الأشعار ، فثبت في صحيح البخاري أنه كان يرتجز بقول الشاعر :

اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره

وفي الوقت الذي كان الصحابة يحملون فيه الحجارة لبنة لبنة ، كان عمار بن ياسر رضي الله عنه يحمل لبنتين في كلّ مرّة ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم – وهو على هذه الحال فجعل ينفض التراب عن رأسه ويقول : ( يا عمار ، ألا تحمل لبنة لبنة كما يحمل أصحابك ؟ ) ، فردّ عليه قائلاً : " إني أريد الأجر عند الله " فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وقال : ( ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية ) رواه البخاري .

ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – صحابيّاً من اليمامة ، فأعجب بمهارته في خلط الطين وتجهيزه ، فقال : ( قدموا اليمامي من الطين ؛ فإنه من أحسنكم له مسّاً ) ، وفي رواية : ( قربوا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له بناء ) رواه ابن حبان و البيهقي .

وخلال فترةٍ وجيزة ، استطاع الصحابة رضوان الله عليهم أن ينتهوا من بناء المسجد ، وقد جعلوا سواريه من جذوع النخل ، وأعلاه مظلل بالجريد وسعف النخيل واستغرق بناؤه اثني عشر يوماً ، ثم أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – ببناء حجرات لنسائه ، وحدّد موقعها بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ، وبعد اكتمالها ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – دار أبي أيوب رضي الله عنه وانتقل للسكنى فيها .

وببناء المسجد النبوي تحقّق للمسلمين حلمهم الكبير في الاجتماع للعبادة وذكر الله ، ولم يتوقّف دور المسجد عند هذا الحد بل صار موضعاً للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، ومنطلقا لقوافل الجهاد ، ومأوى للفقراء من أهل الصفّة ، ومنارة لتعليم القراءة والكتابة ، تشعّ أنوار الهدى حتى يومنا هذا .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:55 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
بناء المسجد النبوي
بناء المسجد النبوي


إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه، { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...} ( النور : 36 )، ولم يكن هديه صلى الله عليه وسلم في المسجد قاصرا على الصلاة فحسب، بل كما كان مكان للعبادة فهو مكان للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، وتجييش الجيوش وغير ذلك من المهام . ولما كان المسجد بهذه المكانة فأول أمر بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله المدينة بناء المسجد وهذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين ، من بني النجار ، وقد أشترها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها ، وقطع نخيلها ، وصفوا الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم ، وهم يرتجزون .
وكانت سواريه من جذوع النخل وأعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، و طلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر : وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ،وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته. ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير .
وللمسجد أهمية عظيمة في المجتمع الإسلامي ، فهم يجتمعون فيه للصلاة خمس أوقات كل يوم يتقربون إلى الله بالعبادة ، ويتعرفون على أحوال إخوانهم ويتعاونون على البر والتقوى . ثم إن المسجد كان مركزا للقضاء بين الناس ومنطلقا لقوافل الجهاد حيث يعلن فيه النفير .
وقد احتل المسجد مكاناً هاماً في تعليم المسلمين وتثقيفهم ، وتلاوة ما ينزل من قرآن ، وقد جلس فيه معلمون لتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة .
وهكذا تنوع النشاط الذي احتضنه المسجد النبوي ما بين عبادة وعلم وخدمة اجتماعية وثقافية وعسكرية ، كما صار المسجد النبوي بالمدينة مناراً ومرشدا ومعلما بارزا في الحياة الإسلامية ، وتابعته المساجد الأخرى التي بنيت في المدن والأمصار الإسلامية على مر العصور.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:56 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
تحويل القِبْلة دروس وعبر

بعد ما تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة عن غيره من مجتمعات الجاهلية ـ كاليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم ـ زاده الله تميّزاً، بأن ن‍زل الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس، إلى قبلة الإسلام خاصة وهي الكعبة المشرفة .. ومن ثم كانت حادثة تحويل القبلة هي الفاصل بين الحرب الكلامية والتدخل الفعلي من جانب اليهود لزعزعة الدولة الإسلامية الناشئة ..
عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( .. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال أخواله - من الأنصار وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك )( الحاكم ).
وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، من إثارة الشكوك والإنكار والتساؤلات قبل وقوعه .
وفي أمر تحويل القبلة قال الله تعالى :{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } ( البقرة آية:149-152) ..
لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما، فيه من الدروس والعبر الكثير، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة، ومنها :
إثبات نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، فدل ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - رسول ونبي يخبره الوحي بما سيقع، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول، أن يخبر بأمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر. وفي ذلك يقول الله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة:142) .
ومن خلال حدث تحويل القبلة ظهر درس هام ما أحوجنا إليه، ألا وهو:
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 12:58 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك بحماس، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها، لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه.
والصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ في أمر تحويل القبلة، أمرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فتوجهوا وانقادوا، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور، فلما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة، ضاربين المثل في الانقياد والتسليم المطلق لأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فكان تحويل القبلة اختبارا وتربية للصحابة على السمع والطاعة، والتسليم لله ورسوله، كما قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } (البقرة: من الآية143) .
وقد ثبتوا ونجحوا ـ رضي الله عنهم ـ، فسارعوا للاستجابة والتسليم لأمر الله ورسوله، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء، إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة ) ( الترمذي ) .
كذلك أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله ـ عز وجل ـ أن صلاتهم مقبولة .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما وجِّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } )(البقرة: من الآية143) (يعني صلاتكم ) ..
ومن الدلالات والدروس الواضحة والهامة من حادثة تحويل القبلة مخالفة اليهود والنصارى، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا كاليهود والنصارى، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فالتميز في العبادة وعدم مشاركة الكفار بأي شعيرة من الشعائر، أو مظهر من المظاهر، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصا على تربية الصحابة والمسلمين من بعدهم عليه، فكثيرا ما كان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة : ( خالفوا اليهود والنصارى )( ابن حبان ) .
قال ابن تيمية : " قد بالغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم " .
ثم قال ـ رحمه الله ـ : " فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان، وهذا أمر محسوس "
ومن دروس حادثة تحويل القبلة الهامة، أنها عرفت المسلمين طبيعة الكفار ـ من يهود ونصارى وغيرهم ـ وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ }(البقرة:120).
لقد كان لحادثة تحويل القبلة أبعاداً كثيرة: منها السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني، ومنها التاريخي .
فبُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وبعدها العسكري أنها مهدت لفتح مكة، وبعدها الديني أنّها ربطت القلوب بالحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها .. ومن ثم كان تحويل القبلة نعمة من نعم الله علينا، كما قال الله تعالى: { وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (البقرة: من الآية150) ..
وهكذا كان حدث تحويل القبلة تربية للصحابة وللأمة، وتشكيلا للشخصية المسلمة المتميزة، التي لا ترضى إلا بالإسلام ديناً ومنهجا كاملا للحياة ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 1:00 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
تحويل القبلة

ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس ؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى ، الذي أمر باستقبالها ، وجعلها قبلةً للصلاة ..وفي تلك الأثناء كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمتثل الحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما ظلّت تراوده ، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس ، ذلك لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام وهو أولى الناس به ، وأوّل بيتٍ وضع للناس للناس ، ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت ويدلّ على ذلك قول البراء بن عازب رضي الله عنه : " وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة " رواه البخاري .

وما كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو العبد المأمور أن يخالف أمر ربّه ، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى بيت المقدس بأن يصلّي أمام الكعبة ولكن متّجها إلى الشمال ، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه حيث قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه " رواه أحمد .

ثم أذن الله بالهجرة ، ووصل المسلمون إلى المدينة ، وبُنيت المساجد ، وشرع الأذان ، والنبي - صلى الله عليه وسلم -لم ينس حبّه الأوّل للكعبة ، ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين جميعاً كما كان يفعل في مكّة ، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعاً لأمر ربّه وأن يرفعه أملاً في إجابة دعوته ، ويصف القرآن الكريم حال النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء }( البقرة : 144 ) .

وفي منتصف شعبان ، وبعد مرور ستة عشر شهراً من استقبال بيت المقدس ، نزل جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ليزفّ البشرى بالتوجّه إلى جهة الكعبة ، قال تعالى : { فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره }( البقرة : 144 ) .

ويحدّث الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار ، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت ، وأنه صلّى - أول صلاة صلاها - صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت ، رواه البخاري .

وعلى الرغم من انتشار الخبر وذيوعه ، إلا أنّه تأخّر عن أهل قباء حتى صلاة الصبح ، فجاء إليهم رجل فقال : " أنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبِلُوها "، فتوجهوا إلى الكعبة ، رواه البخاري .

ولأنّ نسخ الأحكام لم يكن معهوداّ عند المسلمين من قبل ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : "... فأول ما نسخ من القرآن القبلة " ، رواه النسائي ، لذلك كرّر الله الأمر بها تأكيداً وتقريراً ثلاث مرّات : الأولى في قوله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره }( البقرة : 144 ) ، والثانية في قوله تعالى : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون } ( البقرة : 149 ) ، والثالثة في قوله تعالى : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم }( البقرة : 150 ) .

وقد تباينت ردود أفعل الناس تجاه هذا الحادث غير المألوف ، أما المؤمنين فلم يترددوا لحظة عن التحوّل طاعةً لله ورسوله ، فامتدحهم الله تعالى ، وبيّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارا للناس وامتحاناً لهم كما قال تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله }( البقرة : 143 ) .

وأظهر بعض المسلمين القلق على من لم يكتب الله له شرف الصلاة إلى الكعبة ممن مات قبلهم ، وخافوا من حبوط أعمالهم ، وقالوا : يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ، ؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم }( البقرة : 143 ) - يعني صلاتكم - رواه الترمذي وأصله في الصحيح.

وأما اليهود فقد عابوا على المسلمين رجوعهم عن بيت المقدس إلى الكعبة ، وقابلوا ذلك بالسخرية والاستهجان ، واستغلّوا ذلك الحدث بدهاءٍ ليمرّروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعناً في الشريعة وتعميةً لحقائقها ، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى المسلمين وأخبرهم بموقف اليهود قبل وقوعه فقال : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }( البقرة : 142 ) .

وهكذا تحقّق للمسلمين فضل التوجّه إلى القبلتين جميعاً ، واستطاعوا أن يجتازوا هذا الامتحان الإلهي ، وبذلك نالوا شهادة الله : {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }( البقرة : 143 ) ، وكان ذلك التحوّل إيذاناً بنهاية الشرك وسقوط رايته ، وأصبحت الكعبة قبلةً للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 1:01 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
من أحداث السنة الثانية من الهجرة

أدت هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الدولة الناشئة، فشرع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحل هذه الأزمة بطرق عديدة، وأساليب متنوعة، فكان نظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبناء الصُفَّة التابعة للمسجد النبوي لاستيعاب أكبر عدد ممكن من فقراء المهاجرين .. وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبني المجتمع المسلم الجديد في المدينة حتى يكون مؤهلا لحمل الأمانة وتبليغ الرسالة، مع أخذه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسنة التدرج في البناء، ومراعاته لواقع الناس، والانتقال بهم نحو الأفضل دون تعجيل، بل كل شيء في وقته، ومن ثم ففي السنة الثانية من الهجرة حدثت بعض التشريعات الهامة منها : تحويل القِبلة، وفرض صيام رمضان، وزكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة الأخرى ..

تحويل القِبلة :

تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة عن غيره من مجتمعات الجاهلية ـ كاليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم ـ، وقد زاده الله تميّزاً بأن ن‍زل الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السنة الثانية من الهجرة بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس، إلى قبلة الإسلام خاصة وهي الكعبة المشرفة ..
عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال : (.. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال أخواله - من الأنصار، وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك )(الحاكم).

قال ابن القيم : " وكان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلها إلى الكعبة حِكم عظيمة، ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين ..
فأما المسلمون، فقالوا: سمعنا وأطعنا وقالوا : { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }(آل عمران: من الآية7) وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرة عليهم .
وأما المشركون، فقالوا : كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا ، وما رجع إليها إلا أنه الحق .
وأما اليهود ، فقالوا : خالف قبلة الأنبياء قبله ، ولو كان نبيا ، لكان يصلى إلى قِبلة الأنبياء .
وأما المنافقون، فقالوا : ما يدرى محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقا ، فقد تركها ، وإن كانت الثانية هي الحق ، فقد كان على باطل ..
وكثرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت كما قال الله تعالى : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ }(البقرة: من الآية143) ، وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ، ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه .. " ..

وكان لحادثة تحويل القبلة أبعاداً كثيرة : منها السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني، ومنها التاريخي .. فبُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وبعدها العسكري أنها مهدت لفتح مكة، وبعدها الديني أنّها ربطت القلوب بالحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها .. ومن ثم كان تحويل القبلة الذي حدث في السنة الثانية من الهجرة نعمة من نعم الله علينا، كما قال الله تعالى: { وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(البقرة: من الآية150) ..

الصيام :

فُرِض الصيام ـ مثل بقية الشرائع الإسلامية - في المدينة بعد الهجرة، فقد كان العهد المكي عهد تأسيس العقائد وترسيخ أصول التوحيد، والقيم الإيمانية والأخلاقية .. أما بعد الهجرة فقد شرعت الفرائض، وحددت الحدود، وفصلت الأحكام، وكان منها الصيام ..
ففي شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة فرض الله تعالى الصيام، وجعله ركنا من أركان الإسلام، كما فرضه على الأمم السابقة، وفي ذلك تأكيد على أهمية هذه العبادة الجليلة ومكانتها . قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(البقرة:183) . وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل ذلك يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ..

يقول ابن القيم في زاد المعاد : " .. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الصوم جُنَّة (وقاية))(أحمد).. وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجَاء هذه الشهوة .. والمقصود : أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وحمية لهم وجنة ..
وكان هدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه أكمل الهدى، وأعظم تحصيل للمقصود، وأسهله على النفوس .. ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنُقِلت إليه بالتدريج .. وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتُوفى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد صام تسع رمضانات .. " ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 1:01 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
زكاة الفطر :

وفي رمضان من نفس العام ـ الثاني من الهجرة ـ شرع الله زكاة الفطر، وهي على كل حر أو عبد، وذكر أو أنثى، وصغير أو كبير من المسلمين، والحكمة من فرضية هذه الزكاة وإلزام المسلمين بها ظاهرة في قول عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " ( أبو داود) ..

الزكاة :

الزكاة ركن من أركان الإسلام، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان )(البخاري) .. ومن حكمتها إبداء مسئولية الأغنياء عن الفقراء فيما استخلفهم الله تعالى فيه من المال، وإيجاد الترابط بين أفراد المجتمع، وحصول الألفة بينهم ..
وكان تشريع الزكاة بعد شهر رمضان من السنة الثانية من هجرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. فعن قيس بن سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، ثم نزلت فريضة الزكاة ، فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله )(ابن ماجه) .

صلاة العيد :

وفي شهر شوال من هذه السنة أيضاً صلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة العيد، وخرج بالناس إلى المُصَّلى يهللون الله، ويكبرونه، ويعظمونه شكرا لله على ما أفاء عليهم من النعم المتتالية، وكانت تلك أول صلاة عيد للمسلمين ، إثر الفتح المبين الذي حصل لهم في غزوة بدر .. فما أروع هذا العيد الذي جاء به الله بعد أن تَوَّجَ هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها وقد خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، بعد ما أولاهم به من النعم، وأيدهم به من النصر، وقد ذكرهم الله ـ عز وجل ـ بذلك قائلا : { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(الأنفال:26) ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مرسل: الأحد 2012.9.30 1:02 pm
بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق
[align=center]
من الهجرة إلى بدر
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار دروس وعبر


سعى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ دخوله المدينة إلى تثبيت دعائم الدولة الجديدة، فكانت من أولى خطواته المباركة، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، التي ذابت فيها عصبيات الجاهلية، وسقطت بها فوارق النسب واللون والوطن، وكانت من أقوى الدعائم في بناء الأمة،وتأسيس المجتمع المسلم الجديد في المدينة المنورة، حتى يتآلف ويقوى، ويكون صفا واحدا أمام أعدائه. .

لقد وضعت الفترة الأولى من قدوم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، كلا من المهاجرين والأنصار أمام مسئولية خاصة من الأخوة والتعاون، وكانت هذه المؤاخاة أقوى في حقيقتها من أخوة الرحم، وكان الأنصار على مستوى هذه المسئولية، فواسوا إخوانهم المهاجرين، وآثروهم على أنفسهم بخير الدنيا، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قالت الأنصار للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة، فقالوا سمعنا وأطعنا )( البخاري ) . وقد ترتب على هذه المؤاخاة حقوق بين المتآخين، شملت التعاون المادي والرعاية، والنصيحة والتزاور، والمحبة والإيثار..

يحدثنا عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ عما وصلت إليه هذه المؤاخاة فيقول:( لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال لي سعد : إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة ؟ قال سعد : سوق قينقاع ، قال فغدا إليه عبد الرحمن .. إلي آخر الحديث )( البخاري )، وقد شكر المهاجرون للأنصار فعلهم ومواقفهم الرفيعة في الكرم والإيثار، وقالوا يا رسول الله: ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير من الأنصار.

ولم يكن سعد بن الربيع منفردا في ذلك عن غيره من الأنصار، بل كان هذا شأن عامة الصحابة، حتى وصلت المؤاخاة إلى درجة أن يتوارث المتآخيان، ثم نسخ هذا التوارث بقول الله عز وجل :{ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(الأنفال:75)..

لقد حملت قضية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في طياتها كثيرا من المعاني الطيبة، التي كان من المهم أن تغرس في نفوس الصحابة، خاصة في تلك المرحلة الهامة من تاريخ الإسلام،لما لها من أثر قوي في بناء الدولة المسلمة، وهذه المعاني جديرة بأن نقف معها، لا لتأملها فحسب، بل لنقيم واقعنا اليوم كأفراد ومجتمعات عليها، ومن هذه المعاني:

العقيدة أساس البناء : فقد حصر الإسلام الأخوة والموالاة بين المؤمنين فقط، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }(الحجرات: من الآية10)، وقطع الولاية بين المؤمنين والكافرين، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(المائدة:51)..ولذلك كان التآخي بين المهاجرين والأنصار مسبوقا بعقيدة التوحيد وقائما عليها، فالعقيدة هي العمود الفقري للمؤاخاة التي حدثت في المدينة، لأن تلك العقيدة تضع الناس كلهم في مصاف العبودية لله دون الاعتبار لأي فارق، إلا فارق التقوى والعمل الصالح، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات: من الآية13) .

ومن ثم لم تكن هذه المؤاخاة شعاراً لا يظهر له أثر، بل كانت واقعا قائما على الإيمان بالله، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر:9).. تعلم الصحابة ذلك وتربوا عليه، فكان ولاؤهم لله ورسوله والمؤمنين، وامتلأ تاريخهم بالمواقف الرائعة التي تدل على فهمهم وتحقيقهم لمعنى الولاء الذي منحوه لخالقهم ولدينهم وإخوانهم..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]