صفحة 2 من 3

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(9)

مرسل: الأربعاء 2011.4.20 11:22 am
بواسطة برق خاطف
ثمّ فلنُعِد الكرّة فيما يمكن أن يعتبره البعض توارد خواطر (رسميّة وشعبيّة) بين ما قال به الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين والأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن فيما يخصّ تزايد وتيرة تعداد شعب مصر، وكأنّما السّودان هو المسئول عن دفع فاتورة هذه التّكلفة السّكانيّة. ثمّ فلننظر إلى هؤلاء الذين يبكون بدموع التّماسيح شفقةً على مصر من رُزء أصلابها. وللمرء أن يتساءل: لماذا تتكبّد الدّولة بالسّودان كلّ هذه التّكاليف من أجل أبناء شعب آخر وهي التي لم تفعل ذلك لشعبها؟ ولكن، يا سادتي، هل فعلاً يعني الكاتب أن تقوم الدّولة السّودانيّة بدفع تكاليف توطين ملايين المصريّين من مال دافعي الضّرائب السّودانيّين؟ الإجابة على هذا السّؤال وقعنا عليها طبعاً في تلافيف الحديث الذي نُسب إلى الدّكتور الصّادق عمارة، أعلاه.

نعم، لقد صدق كاتب المقال في مسألة استجلاب العراق ودول أخرى للفلاّحين المصريّين إلى أرضهم؛ لكن الكاتب أحجم عن أن يحكي لنا إلى ماذا انتهت فصول ذلك الاستيطان. فقد سُحل المصريّون في شوارع العراق حتّى تمّ إجلاؤهم عن آخرهم. ومع رفضنا لما قام به العراقيّون في ردّة فعلهم إزاء الفلاّحين البسطاء، لا نملك إلاّ أن نُحمّل مسئوليّة ما حاق بالفلاّحين على نظامي القاهرة وبغداد. الأول على تكالبه على كلّ شبر من الأرض قد يُتيحه له أيُّ نظام حكم غير مسئول؛ والثّاني على تفريطه في مكتسبات شعبه. فهل هذه تجربة مثلى كي يُضرب بها المثل من قبل كاتب مرموق (أو قُل: مرقوم) ومخضرم (أو قُل: مُخَدلج، وهي لغة في التّخديج) مثل الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن، الذي يقول بعد ذلك قولاً نُكْراً على نُكر ما قال به أعلاه، ممّا عدّه الكثير من النّوبيّين على أنّه مجرّد بوّابة مخلّعة الأبواب في دهليز "الدّهنسة" و"مسخ الجوخ"؛ ولا يُلام النّوبيّون في ذلك حتّى لو اشتطّوا: "إنّ تطبيق "الحريّات الأربع" التّنقّل والإقامة والعمل والتّملّك ينبغي أن يتمّ بشكل فوري على الأرض التي طال شوقها وانتظارها لقدوم أهل الخبرة والخضرة في الشّمال [يعني بـ "الشّمال" هنا "مصر" طبعاً]". وفي نهاية المقال يقذف الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن ببرقع الكلام بعيداً ليكشف عن وجه قميء في باب العلاقة بين مصر والسّودان، من جانب، حيث يطالب بتوطين ملايين المصريين وبالمكشوف، ثمّ في رؤيته، من جانب آخر، لإخوةٍ لنا سودانيّين حفظونا وحفظوا سوداننا وسودانهم عبر السّنين والقرون وما بدّلوا تبديلا، ألا وهم السّودانيّون الذين تعود بهم أصولهم إلى غرب أفريقيا، فحُقّ لنا أن نحفظهم في بلدهم وبلدنا السّودان وفاءً وإكراماً، إلاّ من أضلّه الله فلن تجد له من هادٍ. وهذا ما يعود بنا إلى الكلام المنسوب للواء عبد الرّحيم محمّد حسين ثمّ الكلام الوارد في الوثيقة الرّسميّة الخاصّة بوزارة الدّاخليّة المشار إليها أعلاه. يقول الأستاذ الصّحفي المخضرم: "إنّ التّسريع بتطبيق "الحرّيّات الأربع" وبوجه خاص ما يتعلّق بانتقال الزّراعيّين المصريّين نحو الشّطر الجنوبي [كذا] سيحقّق مزايا ومكاسب واسعة في وادي النّيل ليس على مستوى الإنتاج والتّوسّع الزّراعي وإقامة المناطق المنتجة الجديدة وإنّما على مستوى تحقيق التّوازن السّكّاني .. [استخدام النّقطتين كأسلوب ترقيمي ورد في الأصل] لقد عمدت الإدارة البريطانيّة إبّان حكمها للسّودان إلى إعادة المصريّين العاملين فيه إلى مصر وحظرت دخولهم تماماً إلاّ بإذن خاص ويقتصر على مسئولي الحكومة المصريّة بينما فتحت للهجرة البدائيّة [كذا] الوافدة من الدّول الأفريقيّة المجاورة الحدود ومنافذ العبور وشجّعت إقامتهم ثمّ جاء الحكم الوطني وبعقليّة قاصرة أغدق على جموع الوافدين "الجنسيّة السّودانيّة" لضمان أصواتهم في الانتخابات العامّة وتمّ ذلك إبّان حكومة السّيّد عبدالله خليل سكرتير عام حزب الأمّة وذلك في أعوام 1956 و1957 و1958 واستقرّوا وتوالدوا وتكاثروا [لم يبقَ إلاّ أن يقول "كالبعوض أو الذّباب"] في مناطق عديدة والأرض الرّحبة تسعهم وينبغي أيضاً أن تسع غيرهم أي قدوم الملايين من مصر لأهداف وأغراض متعدّدة منها أنّ استقرارهم في جنوب الوادي يحقّق المعادلة الصّحيحة للتّوازن السّكّاني والحيلولة دون الاختلال".

كذا إذن! أليس ذلك أدعى للنّاس كيما يصدّقوا مذكّرة مجموعة العمل النّوبي عندما قالت بأنّ المسألة كلّها مبنيّة على رؤية عنصريّة تنظر إلى السّودان باعتباره بلداً ينبغي أن يكون للعرب فيه اليد الطّولى من حيث السّكّان والسّلطة والثّروة، ثمّ الثّقافة؟ وفي الحقّ، إذا كان جميع هؤلاء النّاس، وغيرهم كُثر، يتكلّمون بهذه الطّريقة من تلقاء أنفسهم وبالأصالة عمّا بدوخلهم، إذن فما أسعد مصر المؤمّنة بحبّ بعض أبناء السّودان وإيثارهم لها عن بلدهم المغبون. أنظروا إلى الأستاذ الصّحفي المخضرم محمّد سعيد محمّد الحسن كيف ختم الجزء الأوّل من مقالته التي سَلَحَ بها على رؤوسنا دون استحياء (ومن لم يستحِ، فليفعل ما يشاء): "ثمّ نأتي إلى دور مصر في عمليّة سلام السّودان وتأمين واتّفاقيّة [كذا] الدّفاع المشترك ووجوب استردادها واستعادة فعاليّتها واتّفاقيّة مياه النّيل وإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة كضرورة إستراتيجيّة ...". كذا إذن! فإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة التي اشترط المصريّون إفراغها من سكّانها الأصليّين قد أصبح حقّاً إستراتيجيّاً لمصر!

هذا ما كان من أمر صحفي يفترض فيه أنّه يكتب من منطلق حرّيّة الفكر والأمانة المهنيّة. الآن دعونا نتأمّل بإيجاز ما قاله أحد رجالات الدّولة، ألا وهو السّفير عزّالدّين حامد، (السّفير بمجلس الصّداقة الشّعبيّة وهو مؤسّسة رسميّة). طالعتنا جريدة الرّأي العام الصّادرة بتاريخ الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ (وهو اليوم الذي قدّمت فيه مجموعة العمل النّوبي مذكّرتها لكوفي عنان)، صفحة رقم 3، بخبر تنظيم ندوة حملت العنوان التّالي: العاطفة أم المصلحة .. تحكم علاقات مصر والسّودان؟ حوار مثير في ندوة مهمّة بالخرطوم ناقشت الآمال والآلام؛ وقد جاءت النّدوة التي استمرّت لمدى يومين بقاعة الصّداقة بتنسيق مشترك بين المركز السّوداني للخدمات الصّحفيّة (وهذا مركز مرفوعة في وجهه تهمة انتمائه إدارةً وتأسيساً لجهاز الأمن السّوداني، وهو ما ينفيه المركز بلا طائل) امتداداً لندوات مماثلة أقامها بالقاهرة مركز الأهرام سابقاً. وعلى هذا قام السّيّد محمود مراد (تاني!) بإعداد مضابط النّدوة للنّشر. يقول الصّحفي الذي أعدّ النّدوة، السّيّد محمود مراد: "وشارك في إدارة الجلسات شخصيّات لها ثقلها مثل البروفيسور علي شمّو رئيس المجلس القومي للصّحافة والمطبوعات وزير الإعلام والثّقافة الأسبق، والبروفيسور حسن السّاعوري، والدّكتور حسين سليمان أبو صالح وزير الخارجيّة الأسبق، وتحدّث في النّدوة عدد من الشّخصيّات البارزة مثل الدّكتور مجذوب الخليفة وزير الزّراعة والغابات، والزّهاوي إبراهيم مالك وزير الإعلام، والدّكتور كمال علي محمّد وزير الرّيّ، والبروفيسور بركات موسى الحوّاتي عميد كلّيّة القانون جامعة جوبا والدّكتور أحمد دياب أستاذ التّاريخ وعدد من القيادات السّياسيّة والفكريّة والإعلاميّة ...". "
انتهت الحلقة (9) .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (10)

مرسل: الأربعاء 2011.4.20 11:30 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (10) .

"

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(10)

دار النّدوة

تميّزت الإفادات المنسوبة للمشاركين في النّدوة، وأغلبهم من السّودانيّين، بتحيّزها الواضح لمصر، عدا إفادة واحدة احتجّت على صعوبة إجراءات حصول السّودانيّين لتأشيرة الدّخول لمصر، وذلك في ظلّ الزّخم المرتبط باتّفاقيّة الحريّات الأربع (وهو ما سنأتي له لاحقاً). في سياق هذه النّدوة نُسب إلى السّيّد السّفير عزّالدّين حامد قوله بعد إشارته للعديد من أشكال التّكامل التي تمّ التّوقيع عليها رسميّاً بين السّودان ومصر: "... ما يحدث من تكامل الآن لم يخرج عن إطار العلاقات الثّنائيّة. ولتحقيق ذلك [أي التّكامل الحقيقي] لا بدّ من أن تكون الأسبقيّة الأولى في الاتّجاه للأمن الغذائي والتّكامل الزّراعي والتّوسّع في زراعة القمح في الإقليم الشّمالي من السّودان لتشجيع الفلاّح المصري لعبور حدود الإقليم الشّمالي لإحداث توازن في التّركيبة السّكّانيّة التي تفقد الإقبال من الدّول العربيّة خاصّة مصر بينما كلّ دول غرب أفريقيا عرفت طريقها إلى السّودان منذ أمدٍ بعيد".

وكيفما كان هذا الاتّجاه مشحوناً بالعنصريّة ومجافاة حقيقة الهويّة السّوداء لأهل هذا البلد الذي ظلّ اسمه مرتبطاً باللون الأسود منذ فجر التّاريخ إلى لحظتنا الرّهنة ـ كيفما كان كلّ هذا، تبقى حقيقة من الصّعب المغالطة أو المماحكة فيها، ألا وهي أنّ مسألة "إحداث التّوازن في التّركيبة السّكّانيّة والوافدين من دول غرب أفريقيا" تمثّلان جملتين مفتاحيّتين اجترحهما المسئولون الرّسميّون في السّودان لتوصيف الوضع في المنطقة الشّمالية التي هُجّر منها أهلها بعيد تشييد السّدّ العالي، أو هاجروا منها فيما بعد جرّاء الدّهورة التي نجمت عن التّهميش ببعديه التّنموي والثّقافي. ومن الواضح عند مسئولينا أنّ تحقيق هذا التّوازن يتمثّل في استقدام ملايين المصريّين من دون النّوبيّين، مصريّين كانوا أم سودانيّين. وهذا الإقصاء لا يمكن فهمه إلاّ في إطار أنّ المسألة كلّها لا تقوم على مجرّد ملء الفراغ البشري، بل إحداث تغيير في التّركيبة العرقيّة والثّقافيّة، الأمر الذي يبرّر استبدال العنصر الأفريقي الأسود بعنصر عربي جديد، وهذا هو مناط الإشارة إلى من يسمّيهم المسئولون الرّسميّون بجملة "وافدي غرب أفريقيا". وفي هذا يجد المسئولون الرّسميّون من يشايعهم ويحرق لهم البخور من لفيف الأكاديميّين والصّحفيّين وغيرهم. وإلاّ، فانظروا إلى هذا الأفريقي الأسود كيف يُعلي من شأن مصر ويُزري في المقابل من شأن أفريقيا السّوداء، ألا وهو الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ)، في نفس النّدوة المشار إليها أعلاه: "إنّني من الذين لديهم محبّة شديدة لمصر وأرفض كلمة علاقات لأنّه يمكن أن يقال العلاقات مع الهند أو يوغندا مثلاً .. لكن علاقات مع مصر فهذا ما لا أقبله لأنّ الذي بين مصر والسّودان روابط دم وتمازج قديم". فهل تُرى لم يجد الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ) من يذكّره بأنّ علاقات السّودان ويوغندا بالنّسبة للقبائل النّيليّة مثل الأشولي وغيرها كثير (دع عنك عموم أهل السّودان الذين لا يرون غضاضة في أن يكونوا أفارقةً سوداً)، وهي نفس القبائل المنقسمة حدوديّاً بين البلدين وتصعد حتّى كينيا، تمثّل أيضاً روابط دم وتمازج قديم؟ فمثل هذه المعلومات الأوّليّة لا يمكن الزّعم بغيابها عن واعية أستاذ التّاريخ، لكن إن هي إلاّ غيبوبة المحبّ في لحظة الجذب، فتصوّر! هذه المسألة يا سادتي لا يمكن فهمها إلاّ في إطار حالة الاستلاب التي تجتاح بلادنا، فتعصف بتوازن أناسٍ ربّما نالوا مرتبة عالية في العلم والسّلطة والثّروة، فإذا بهم ينفرون من صحوة هويّتهم الأفريقيّة الغرّاء ليدخلوا بملء إرادتهم في غيبوبةَ نُشدانهم لهويّةٍ عربيّة ما واتاهم بها المولى عزّ وجلّ، والله ذو الفضل العظيم. ولعمري هذا أبغض مراحل العنصريّة، وذلك عندما يشتطّ تيّار عنصري بعينه، حتّى يُفقد حملةَ العنصر المغاير احترامهم لأنفسهم كبشر، والعياذ بالله.

ولكلّ هذا لا ينبغي أن نعجب إذا ما طالعتنا بعض الأقلام الظّالعة من السّودانيّين الذين ضرب الله بغشاوة الجهل أو الغرض على قلوبهم. ومن هؤلاء من ذهب به الشّطط إلى حدّ أن يتّهم المجموعات الثّقافيّة المتأثّرة في موقفهم الرّافض لإقامة الخزّاانات بالعنصريّة. وفي هذا يأمل القوم المتآمرون، بناءً على ما قاله هذا أو ذاك، أن يصبح علينا يوم فنجد المتأثّرين (أي الضّحايا) وقد باؤوا بهذه العنصريّة البغيضة زوراً وبهتاناً، وليس الذين يسعون بأيديهم وأقدامهم، ثمّ بأقلامهم، كيما يستقدموا أعراب سيناء (دون السّودانيّين) لملء الفراغ السّكّاني بشمال السّودان التي تمّ إفراغها سكّانيّاً، كلّ ذلك لإعادة التّوازن العرقي بالسّودان وتوزّعه بين العروبة والأفريقيّة بما يضمن تفوّق من استعرب على من لم يستعرب بعد. يا قوم، ما لكم كيف تحكمون! وليس هذا بغريب على مؤسّسة الدّولة المركزيّة في السّودان، وهي التي يا طالما اتّبعت هذا التّكتيك في مواجهتها لمطالب أهل الهامش، إذ تبادرهم بتهمة العنصريّة، وذلك من قبيل الإسقاط؛ فالعنصريّة منها وفيها، وأهلُ الهامش من ذلك براء. في مثل هذا يقول أهلنا في السّودان: "الفيك بادِر بُو"، وقد صدقوا.


دايرين فيزا لي مصر!

رضينا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرْضَ بنا

بمجرّد التّوقيع على اتّفاقيّة الحريّات الأربعة بين مصر والسّودان، وفي اليوم التّالي مباشرةً، وصلت إلى مطار الخرطوم، قادمةً من مطار القاهرة، طائرة عليها ما يزيد على الثّمانين راكباً يحملون الجنسيّة المصريّة دون أن تكون معهم تأشيرات دخول إلى السّودان. ومنذ تلك اللحظة لم يعد المصريّون يتمتّعون فقط بامتياز سفرهم من مصر إلى السّودان بدون تكبّد المشاق سعياً للحصول على تأشيرة الدّخول، بل توالت منهم أفواج وأفواج من العمالة التي اكتشف النّاس، فضلاً عن كونها ماهرة، أنّها رخيصة وزهيدة التّكاليف بدرجة غير منطقيّة. ثمّ إن هي إلاّ هذي السّنوات الثّلاث، فإذا بأفواج من المصريّين يملأون شوارع الخرطوم ومدن أخرى نائية مثل كادوقلي وغيرها، وهم يبيعون في الطّرقات ومواقف إشارات المرور الضّوئية العديد من السّلع المحمولة على اليد، وبأسعار أقلّ ما يُقال عنها إنّها زهيدة إن لم تكن مجّاناً؛ من ذلك مثلاً صور مطبوعة على ورق مصقول وخلافها. وقد ظنّ بعض المغفّلين أنّ تلك بشارة وإيذان لخيرات مصر بأن تتدفّق. ولكن بعد زمنٍ وجيز، إذا بهؤلاء الباعة المتجوّلين يقتحمون المكاتب بلا استئذان، عارضين بضاعتهم الزّهيدة والتي لم يرغب فيها السّودانيّون فقط، بل بدا واضحاً أنّ من يقومون بعرضها أنفسهم غير آبهين بها، أباعت أم كسدت. وهنا لا نريد أن نتّصف بسذاجة الطّيّب صالح عندما تساءل أوّل أيّام الإنقاذ: من أين جاء هؤلاء؟ ولا حتّى أن نتساءل: ماذا يفعل هؤلاء؟

ولكن، يا سادتي، ليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ! إذن فقد تمّ توقيع اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع المتعلّقة بحريّة التّنقّل، وحرّيّة التّملّك ... إلخ. وبالفعل شرع المصريّون في الاستفادة من الامتيازات التي أتاحتها لهم هذه الاتّفاقيّة التي سعى بها إليهم ساسةُ السّودان وحكّامُه مجّاناً، بل وبحوافزها، مثلما سعى السّادات من تلقاء نفسه إلى إسرائيل؛ فيا للأريحيّة، ومرحى لنا جميعاً. لكن، تُرى هل استفاد السّودانيّون من ذات الاتّفاقيّة؟ طبعاً لا! فقد تعنّت الجانب المصري في إنفاذ الشّقّ الخاص به. وكنت أشرتُ أعلاه إلى أنّ شخصاً ما قد سجّل احتجاجاً بهذا الشّأن في النّدوة المحضورة والتي نظّمها مركز الأهرام بالتّنسيق مع المركز السّوداني للخدمات الصّحفيّة، وهي النّدوة التي أدارها، ثمّ نشر مضابطها في جريدة الرّأي العام (الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ) الصّحفي المصري محمود مراد. كان ذلك الشّخص هو السّيّد فوزي عبد الرّحيم محمود، وقد شارك بصفته الأمين العام لحزب وحدة وادي النّيل؛ وشخص بهذه الصّفة لا يمكن أن يُتّهم في نواياه تجاه مصر، فهو كمن شهد شاهدٌ من أهلها. قال الأمين العام لحزب وحدة وادي النّيل: "إنّني أتحدّث بعفويّة المواطن العادي الذي حمل جواز سفر عادي وأغضب عندما أرى الإسرائيلي يدخل مصر بدون تأشيرة بينما لا بدّ لي من أن الحصول عليها .. [التّنقيط جاء في الأصل] ...". هنا جاء ردّ منظّم النّدوة الأستاذ محمود مراد مراوغاً وغير صريح، إذ قال مع نفيه بشدّة دخول الإسرائيليّين لمصر بدون تأشيرة: "أمّا عن تأشيرة الدّخول إلى مصر بالنّسبة للسّودان وكذلك للمصري بالنّسبة لمصر .. ف إنّني [كذا] أقول له "إسأل روحك.! وعندما تقول لي الإجابة سأردّ عليك!! ولعلّي أضيف أنّ أصحاب الحالات الخاصّة والمرضى يمكنهم الحصول على تأشيرة لدخول مصر في نفس اليوم .. ورجال أعمال يأخذون تأشيرة متعدّدة السّفريّات صالحة لمدّة ستّة أشهر أي يحصلون على التّأشيرة مرّتين فقط طوال السّنة .. وفي الحالات العاديّة فإنّ المواطن يحصل على التّأشيرة خلال فترة أقصاها خمسة أيّام ..". إذن بينما يدخل المصريّون إلى السّودان بلا تأشيرة، يلزم السّودانيّين (الطّيّبين) أن يحصلوا على تأشيرة، مع تسهيلات واضحة للحالات الإنسانيّة، وبالأخصّ إذا كانوا رجال أعمال، أي أنّ لهم أموالاً ومن المفترض أن يصرفوها في مصر. ولكن ما لم يذكره أنّ النّساء، ولأمرٍ ما، غير مطالبات باستخراج تأشيرة سفر لمصر. فهل نشكرهم على ذلك ببراءة غبيّة، أم نسألهم عن السّبب وراء هذه الأريحيّة من دولة لا تعرف عبر تاريخها العطاء مجّاناً؟ ولكن ماذا عن غمزه ولمزه، عندما قال: "إسأل روحك ... إلخ"؟ هل يعني هذا أنّ السّلطات السّودانيّة هي التي طلبت منهم اتّخاذ هذه الإجراءات، وذلك للحيلولة دون تدفّق السّودانيّين على مصر، مثلما فعلوا أوّل سنيّ الإنقاذ، بما يثقل على كاهل الخزينة المصريّة؟ تُرى هل ذهب المسئولون السّودانيّون إلى هذا الحدّ في حدبهم على مصلحة مصر؟ ولكن هل فعلاً أثقلت هجرة السّودانيّين كاهل الخزينة المصريّة عندما تدفّقوا على مصر من أوائل إلى أواخر تسعينات القرن المنصرم؟ إذا كنت ترغب في الإجابة الشّافية لهذا السّؤال، فعليك أن تقرأ أدناه. "
انتهت الحلقة (10) .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (11)

مرسل: الأربعاء 2011.4.20 11:45 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (11) .
"
العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(11)

دايرين فيزا!

ولكنّ مصر لا تجود لنا إلاّ بمقدار

داومت القنصليّة المصريّة بالخرطوم على أن تصادق على عدد 100 تأشيرة دخول في اليوم الواحد فقط ـ ويا للكرم. في هذا يظلّ السّودانيّون البسطاء "ملطوعين" طيلة النّهار، وتحت هجير الشّمس التي لا ترحم، وهم الذين تحسّسوا طريقهم وخطواتهم في ظلام الفجر الدّامس إلى أن وصلوا إلى أعتاب القنصليّة على أمل أن يحصلوا على التّأشيرة. وقد ضجّ السّودانيّون بالشّكوى، وتعالت أصوات الاحتجاج ولا من مغيث. ثمّ أخيرا تحرّكت الأجهزة الرّسميّة "لإحداث توازن في اختلال المعادلة" ـ باستخدام ألفاظ بعض المسئولين والصّحفيّين والعشّاق الولهانين بحبّ مصر المحروسة. ففي عددها بتاريخ الأحد 15 أبريل 2007 الموافق 27 ربيع الأوّل 1428هـ (بالرّقم 3446) وتحت عنوان: إجراءات جديدة لتسهيل دخول السّودانيّين لمصر، جاء في جريدة الرّأي العام ما يلي: "وافقت السّلطات المصريّة على جملة من الإجراءات الهادفة لتسهيل دخول السّودانيّين لمصر وفيما لا تزال بعض الأجهزة الرّسميّة المصريّة تتحفّظ على إنفاذ اتّفاق الحريّات الأربع الموقّع بين البلدين انتهت اللجنة المشتركة بإنفاذ ذات الاتّفاق [كذا] الخميس الماضي بالتّوافق على منح بعض التّسهيلات [كذا] في مجال حرّيّة تنقّل المواطنين السّودانيّين [كذا] أهمّها إعفاء من هم فوق الـ 55 عاماً من تأشيرة الدّخول لمصر ورفع سن الأطفال المستفيدين من التّأشيرة من 14 عاماً إلى 16 عاماً [كذا] ومنح رجال الأعمال تأشيرة دخول متعدّدة لمدّة عام وبحسب مدير إدارة مصر بالخارجيّة [السّودانيّة] السّفير حسن عبد الباقي أنّ الاجتماع وافق على حذف عبارة غير مصرّح له بالعمل من ختم تأشيرة الدّخول [كذا بعد أربع سنوات من التّوقيع على الاتّفاقيّة!]. وأضاف عبد الباقي للصّحافيّين أنّ الجانب المصري وافق [كذا، أي لم يُلزم بموجب الاتّفاقيّة] على منح السّودانيّين إقامة لمدّة ستّة أشهر بمنافذ الوصول المختلفة بدلاً من ثلاثة أشهر ...".

هل نقول "مبروك" على هذا الإنجاز؟ ثمّ كيف بالله جاز لنا أن نقول، معلّقين داخل المتن [... أي لم يُلزم بموجب الاتّفاقيّة]؟ فنصّ الاتّفاقيّة التي طار بها المصريّون من الفرحة، فما حطّوا، تقتضي بأن تُلغى مثل هذه الإجراءات، وهي ذات الإجراءات التي قام الجانب السّوداني بإلغائها فعلاً، الأمر الذي نجم عنه تدفّق المصريّين على بلادنا، وذلك لإحداث توازن إستراتيجي لاختلال المعادلة السّكانيّة. فهل نقول عن الجانب السّوداني إنّنا لا يجب أن نغمطه حقّه إذ فاز بمزية الالتزام بما وقّع عليه؟ .

ويستمرّ مسلسل المهازل؛ إذ جاء العنوان الرّئيسي في جريدة الصّحافة الصّادرة بتاريخ الجمعة 4 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثّاني 1428هـ يقرأ: "بدء تطبيق الحرّيّات الأربع بين مصر والسّودان"، ذكرت فيه تفاصيل ما قاله القنصل المصري بالخرطوم في مؤتمر صحفي عقده. وقد يذهب الظّنّ بالقاريء البريء إلى أنّ مصر أخيراً قد شرعت فعلاً بتطبيق الاتّفاقيّة بحذفارها، وذلك أسوةً بالسّودان. لكن هيهات لمصر أن تفعل ذلك، حتّى لو خانت الحصّافة (أو قُل: الصّحافة) أقوال الرّسميّين والإعلام بدولة التّمكين الحضاري. فالمؤتمر الصّحفي الذي عقده القنصل العام لمصر بالسّودان لم يزد عن كونه إعلاناً رسميّاً بما ذكرناه أعلاه. ليس ذلك فحسب، بل ذهب القنصل إلى حدّ التّهديد باتّخاذ إجراءات حيال أيّ استغلال سيّء لما سيقومون به، أيّ أن ينكبّ السّودانيّون على مصر؛ أي أن يقوموا بأقلّ ممّا ستقوم به ملايين الفلاّحين المصريّين. فالسّودانيّون في خاتمة المطاف لن يستقرّوا بمصر، بل في أفضل الأحوال قد يجعلونها محطّة وسيطة ريثما يستقرّ بهم المقام في أحد الدّول الغربيّة التي، جانباً عن أنّها قد تنفق عليهم Benefit، يحرص السّودانيّون جرّاء الوضاعة والمهانة التي انتهى إليها حالهم في هذا الزّمن الكالح على أن يحصلوا على جنسيّات الدّول الغربيّة لما في ذلك من حماية مظنونة. في ذلك المؤتمر الصّحفي لم تنقص القنصل المصري الشّجاعة في نفي، وتشديد النّفي، أن تكون مصر قد تلكّأت في تنفيذ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع، وذلك ردّاً على سؤال تفضّل به أحد الصّحفيّين. فقد ذكر في هذا المقام أنّ السّبب فيما يبدو على أنّه تلكّؤ يعود إلى اختلاف القوانين بين مصر والسّودان، حيث تتّبع الأولى النّظام الفرنسي، بينما يتّبع الأوّل النّظام الإنكليزي. وطبعاً ليس أيسر من الرّدّ على هذا اللجاجة؛ فحقّ الاستقرار وحقّ العمل والتّملك بالنّسبة للمصريّيين في السّودان ممّا لا تسمح به قوانين البلد. ولم تجئ اتّفاقيّة الحريّات الأربع إلاّ لتغيير هذا القانون بما يسمح بعكس ذلك. إذن الأصل في إنفاذ أيّ اتّفاقيّة هو الشّروع فوراً في تعديل القوانين بما يلزم، وربّما إلغاؤها. ولكن لمِ نتكبّد كلّ هذه المشاقّ المنطقيّة في دحض ما دفع به القنصل المصري في مؤتمره الذي عقده؛ دعونا يا سادتي ندفع بما طالب به الجانب المصري وذلك في المباحثات المصريّة السّودانيّة والخاصّة بأعمال اللجنة الوزاريّة المشتركة في دورتها الخامسة التي عُقدت بالخرطوم [راجع جريدة الرّأي العام، الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 4 ربيع الثّاني 1428هـ، صفحة 11]. فقد ورد في ذلك الخبر ما يلي: "معظم اهتمامات الجانب المصري في المباحثات انصبّت على اتّفاقيّة الحريّات الأربع خصوصاً حريّة التّملّك والعمل التي طالبوا الحكومة السّودانيّة بمواءمة القوانين والتّشريعات التي تضمن للمواطن المصري حقّ الملكيّة الكاملة في السّودان إسوةً بالسّوداني في مصر".

وطبعا شبعنا من الغباء المهني الذي يُجلّل صفحات جرائدنا، إذ كان من واجب الصّحفيّين الذين ينقلون مثل هذه الأخبار أن يتّصفوا ببعض الذّكاء المهني والكفاءة. فحتّى يوم الجمعة 4 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثّاني 1428هـ (اليوم الذي عقد فيه القنصل المصري بالخرطوم مؤتمره الصّحفي المشار إليه أعلاه) لم تكن مصر قد خفّفت إجراءات دخول السّودانيّين لمصر، كما لم تكن قد رفعت حظر العمل عليهم بمصر. وطبعاً هذا جزء من ثقافة "الكلفتة" الضّاربة بأطنابها؛ ولذا ليست مصر مضطرّة للتّحاذق لتمرير أجندتها ومتناقضاتها طالما لن ينتبه لها أيّ سوداني، لا على المستوى الرّسمي ولا على المستوى المهني المتعلّق بنقل المعلومات وتحليلها كالصّحافة .

وعلى أيٍّ، إذن، فقد رضينا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرض بنا!

وليت أمر إخوتنا المصريّين العاملين بسفارتهم بالخرطوم قد وقف عند هذا الحدّ، بل تعدّاه إلى الإساءة والإزراء بالشّعب السّوداني. ففي ندوة عن المياه عقدها بالخرطوم مركز دراسات الشّرق الأوسط وأفريقيا بتاريخ 2/8/2007م بقاعة الزّبير محمّد صالح، "... شنّ السّفير المصري هجوماً صريحاً على مواقف الجماهير السّودانيّة المتضرّرة من السّدود السّودانيّة التي اندلعت هنا وهناك أنّها تنمّ عن عدم وعي بضرورة التّنميّة" [فكري أبو القاسم، "ندوة المياه وعزلة السّفير المصري"، جريدة إيلاف، 10/9/2007م، العدد141، صفحة 11]. ويمضي فكري أبو القاسم في استعراض دلالات هذا الهجوم قائلاً: "كان هذا الموقف المصري منتظراً لأنّ أزمة السّدود برّمتها في السّودان لحساب المصريّين، ولكن الغريب حقّاً أن يتحدّث سفير دولة أجنبيّة بمثل هذه الحرّيّة ويدسّ أنفه في شئون الدّولة المضيفة". ويختم فكري مقاله بنصيحة غالية ليت ولاة الأمر (أو قُل: غلاة الأمر) بمصر والسّودان يعونها؛ فبخصوص مصر يقول: "... التّعلّق بقشّة الحكومات الضّعيفة في السّودان فلن يجديها"، ويقول بخصوص السّودان: "الحكومة السّودانيّة بوضعها الحالي غير مؤهّلة بتقديم تنمية في هذا المجال ولا أن تعطي وعداً بالمؤازرة على حساب العلاقات المحلّيّة وإلاّ كلّ ما سيتمّ لن يتجاوز الحبر والورق". "
انتهت الحلقة (11) .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (12)

مرسل: الأربعاء 2011.4.20 11:51 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته

السطور التالية هي الحلقة (12) .

تذكّروا يا ابناء الكرام انّ العنصرية ليست من الاسلام .

"

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(12)

أرض السّودان أولى بها مصر من الأفارقة

بين الهوسا والمصريّين

يذهب السّيّد وزير الدّاخليّة في الكلام المنسوب إليه بالموقع الإلكتروني لمركز الأهرام للدّراسات، إلى حدّ التّعريض بأقوام سودانيّين أصلاء، حتّى ليكاد أن يصفهم بأنّهم دخلاء وغرباء، وذلك في معرض بكائه على انحسار الاستيطان المصري بالسّودان: "نجد أنّ هناك هجرات مستمرّة من غرب أفريقيا إلى منطقة دارفور والتي وصلت إلى 7.5 مليون نسمة بينما نجد مجموع المصريّين المقيمين في السّودان لا يتجاوز عشرين ألفاً وأنّ هذا وضع غير طبيعي ولا يتّفق مع ما بين البلدين من وشائج ...". ونشير هنا إلى أنّ منطق المقابلة يقودنا إلى نتيجة طبيعيّة وهي أنّ عدد المهاجرين من غرب أفريقيا والبالغ 7.5 مليون نسمة هو نفسه وضع غير طبيعي ولا يتناسب مع الفروقات العرقيّة والثّقافيّة بين السّودان وبين غرب أفريقيا (التي لا تزال تُسمّى ’بلاد السّودان‘، فتصوّر!). وقد عدّ الكثير من القطاعات النّوبيّة ذلك من المضحكات المبكيات، إذ حكى العديدون منهم كيف جمعهم السّيّد الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين أوائل عام 2002م (وهو إذّاك وزير الدّاخليّة) بإحدى القاعات بالخرطوم ليبشّرهم بأنّهم قد أرسوا الاتّفاقيّات مع مصر لتوطين ملايين الفلاّحين المصريّين بأقصى الشّمالية التي كادت أن تخلوَ من سكّانها الأصليّين (أي النّوبيّين) مقابل ازدياد الهجرة إليها من وافدي غرب أفريقيا. ولهم في ذلك اللقاء حكايات عن السّيّد الفريق لا مجال لذكرها هنا، لكنّها لا تخرج عمّا نُسب إليه أعلاه. فهل هذا يعني أنّ هناك موقفاً سلبياً واضحاً للسّيّد وزير الدّاخليّة (الوزارة المعنيّة بالهجرة) من قطاع عريض (7.5 مليون نسمة) من الشّعب السّوداني؟ هذا بالرّغم من أنّ هؤلاء النّاس الطّيّبين قد هاجروا إلى السّودان منذ أزمان طويلة تصل في الكثير منها إلى نفس المدّة التي تتعلّق بهجرة العرب إلى السّودان.

في تاريخ 15 سبتمبر 2005م صدر عن وزارة الدّاخليّة (وكان عليها الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين)، رئاسة قوّات الشّرطة، الإدارة العامة للسّجلّ المدني، فرع الشّئون القانونيّة، بالرّقم و د/س م/م ت/ الأمر رقم (1) لسنة 2005م الموسوم بعنوان "ضوابط التّحرّي في الجنسيّة السّودانيّة بالميلاد والتّصديق بها"، مصدّقاً عليه من قبل السّيّد/ لواء شرطة علي عبدالله علي (مدير إدارة السّجلّ المدني). ورد في افتتاحيّة ذلك الأمر ما يلي: "حفاظاً على الهويّة السّودانيّة ومنعاً لأيّ شخص من التّمتّع بها دون أن يكون مستحقّاً لها قانوناً وتأميناً وضبطاً للهويّة وتبسيطاً لإجراءات الحصول على الجنسيّة، وعملاً بالسّلطات المخوّلة لي بموجب المادّة (13) (أ) من لائحة الجنسيّة السّودانيّة لسنة 2005م ـ أصدر الأمر الآتي نصّه ...". كما وردت في خاتمة الأمر تحت المادّة (1) الفقرة (ح، 7) ما يلي: "يجب أن يكتب في حالة منح الجنسيّة عن طريق الأم السّودانيّة بالميلاد أو الأبوين السّودانيّين بالتّجنّس أو عن طريق التّوطّن بالسّودان قبل 1956م على شهادة الجنسيّة عند استخراجها وعلى يسار رقم شهادة الجنسيّة عبارة (منحت عن طريق الأم السّودانيّة بالميلاد أو عن طريق الأبوين السّودانيّين بالتّجنّس أو عن طريق التّوطّن بالسّودان قبل 1956م بحسب الحال) باللون الأحمر لتمييزها".

بعيداً عن التّعليق على هذا التّحرّي الدّقيق لمسألة "ما قبل عام 1956م" ثمّ هذا الإزراء المؤسّسي، وبطريقة رسميّة من قبل الدّولة، بأيّ إنسان استحقّ الجنسيّة السّودانيّة عن جدارة كما استحققناها جميعا، دعونا نقف في المادّة (1) الفقرة (ح، 4، ب)، التي جاءت لتحدّد نوع القبائل التي ينبغي للمتحرّي أن يأخذ حذرَه في التّعامل مع أبنائها المطالبين بالجنسيّة السّودانيّة، وتقرأ: "القبائل الوافدة وهي الفلاتا، الهوسا، البرنو" فقط، أي القبائل التي قدمت من غرب أفريقيا، حتّى لو كان قدومُها إلى السّودان قد حدث قبل ألف عام. فكأنّما العربُ في السّودان ليسوا بوافدين؛ وكأنّما أهراماتُ نبتة ومروي قد بناها العربُ في السّودان. ومع هذا، برغم الاشتطاط في العنصريّة والعنجهيّة، كان يمكن لوزارة الدّاخليّة في زمن الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين أن تنال قدراً من الاحترام ولو كان ضئيلاً إذا ما احترمت ما سنّته من تقنين وإجراءات. ففي لقائه المشهود بخبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة، وفي معرض شرحه للأبعاد القانونيّة والسّياسيّة لمشروع الاستيطان المصري ببلاد النّوبة بشمال السّودان، ورد ما نُسب إلى لسانه ما يلي: "أشار الوزير السّوداني إلى أنّ اتّفاقيّة الحريّات الأربع الموقّعة بين مصر والسّودان والتي تتعلّق بحريّة التّنقّل والإقامة والعمل والتّملّك توفّر إطاراً قانونيّاً مناسباً تماماً لتفعيل إستراتيجيّة التّعاون هذه خاصّة وأنّ السّودان هو الذي بادر بطرح [كذا] هذه الاتّفاقيّة للتّعاون مع مصر ... بالإضافة إلى أنّ القانون السّوداني يسمح بازدواج الجنسيّة كما يمنح حقّ المواطنة بعد الإقامة لمدّة خمس سنوات وأنّه في ظلّ نقص السّكّان في شمال السّودان [ينقطع الكلام هنا ممّا يُشير إلى احتمال الحذف]".

إذن ستُمنح الجنسيّة السّودانيّة للمصريّين بمجرّد أن يقضوا خمس سنوات فقط من عمر استيطانهم الأبدي بالسّودان. ولهم الحقّ، كلّ الحقّ، أولئك النّوبيّون الذين تعجّبوا عن أيّ سودان يتحدّث الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين. ثمّ لهم العتبى، كلّ العتبى، حتّى يرضَوا أولئك السّودانيّون الأعزّاء، الأُصلاء الذين رفدت إلينا بهم سهوب بلاد السّودان وغابات أفريقيا السّوداء وهضابها، إن غرباً أم شرقاً أم جنوباً، ممّن سعت قوانين وإجراءاتُ هذه الدّولة العجيبة إلى الإزدراء بهم والتّشكيك في سودانيّتهم. وفي الحقّ فإنّ أهلنا ممّن عناهم هذا الغمز واللمز الرّسمي، لهم أفضال لا تُحصى على بلدنا السّودان، ثمّ على بلاد السّودان جمعاء. ووجودهم في أفريقيا وبلاد السّودان قديم، يعود في أحدثه إلى غزو العرب المسلمين لبلاد المغرب [لمزيد من التّفاصيل، يرجى مراجعة: عبدالله عبد الماجد إبراهيم، الغرّابة: الجماعات التي هاجرت من غرب أفريقيا واستوطنت سودان وادي النّيل ودورهم في تكوين الهويّة السّودانيّة، ط 1، دار الحاوي للطّباعة والتّوزيع والنّشر، 1998؛ محمّد أحمد بدين، الفلاّتة الفلانيّون في السّودان، القاهرة: مركز الدّراسات السّودانيّة، 1996؛ الطّيّب عبد الرّحيم الفلاّتي، الفلاّتة في أفريقيا، مساهمتهم الإسلاميّة والتّنمويّة في السّودان، ط 1، الخرطوم، 1994]. والإزراء الرّسمي وغير الرّسمي بهذه المجموعة الكريمة، والتي تعارف النّاس على تسميتهم بالفلاّتة تارّةً، وتارّةً أخرى بالهوسا، أو الغرّابة، ينطوي على تناقض عجيب. وكنت لاحظتُ أنّ أغلب الذين يستهدفون هذه المجموعات الكريمة من الشّعب السّوداني، يعودون في جذورهم البعيدة أو القريبة إليها، فانظر في ذلك وتأمّل! وهذا يعكس لنا بوضوح حالة الاغتراب والاستلاب التي يعيشها بعض، أو أغلب، أهل السّودان، ممّن كرّمهم المولى بهويّةٍ أفريقيّة سوداء. ولكنّهم لم يرضَوا بما قسمه المولى لهم، فعمدوا إلى التّحايل، فتلبّسوا هويّاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فغدَوا أضحوكةً بين الأمم، والعياذُ بالله.

ومن أعاجيب هذا التّحامل، وصلته بأفاعيل الأيديولوجيا وقدرتها في تغريب المرء من هويّته، ما كنّا قد أشرنا له في العديد من البحوث والكتابات، من أنّ أغلب من حكموا السّودان خلال المائة سنة الماضية يعودون في أصولهم البعيدة أو القريبة إلى قبائل الفولاني والهوسا، ولو لجّوا في الإنكار. إذن المسألة أصبحت واضحة: إذا أنكرتَ هويّتَك واستبدلتها بهويّة عربيّة، ومن ثمّ سخّرّتَ نفسك لخدمة أغراض الهويّة الجديدة في مجالي السّلطة والثّروة، حتّى لو دفعك ذلك لإعلان الحرب ضدّ الغلابى والمساكين ممّن ينتمون لهويّتك الأصليّة، فإنّك لا محالة ستنال كلا السّلطة والثّروة، دون أيّ اعتبار لأصلك العرقي أو الثّقافي. وهذا لعمري هو المركز الذي أسهبنا في الكتابة عنه، منبّهين إلى أنّه غير عرقي وغير جغرافي، بل مركز سلطوي تسيطر عليه نخبة معدودة من شتيت أمشاجٍ إثنيّة وثقافيّة، وتمارس التّهميش عبر أجندة الثّقافتين العربيّة والإسلاميّة، وهما من ذلك براء.
يتبع ..

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (12)

مرسل: الأربعاء 2011.4.20 11:53 am
بواسطة برق خاطف
ويأتي قولي هذا في الإشارة إلى ما يقوله بعض السّودانيّين، ممّن ذهب إلى تبرير استيطان ملايين المصريّين، مقارناً ذلك باستيطان مجموعات الفولاني والهوسا ـ هذا فضلاً عن نعرة عنصريّة بغيضة تصدر من كثير من السّودانيّين، مثقّفين وعامّة، إزاء القوم الطّيّبين، مستبطنين في ذلك ذات الموقف الأيديولوجي الإسلاموعروبي. وهذه غفلة فكريّة وسياسيّة لن يتمكّن السّودانيّون من خوض معاركهم النّبيلة ضدّ المركز، طالما كانوا يستبطنون ذات مواقف المركز العنصريّة الظّالمة. لهؤلاء لا يملك المرءُ إلاّ أن يقول: أللهمّ أدخلنا في زمرة صُرحاء الفولاني، إنّها زمرةٌ طيّبة؛ أخرجنا من زمرة نُكراء الفولاني، إنّها زمرةٌ خبيثة.

كتب بروفيسور الأمين أبو منقة (أستاذ لغة الهوسا والفولاني بجامعة الخرطوم) في صحيفة الرّأي العام بتاريخ 21/10/2008م، تحت عنوان: (الهوسا .. "الحجّ بمشقّة" عامل استقرار في السّودان)، يقول: "وقد رأينا في هذا المقال الوجيز أن أن نلقي قليلاً من الضّوء على مجموعة الهوسا في السّودان وذلك بمناسبة الأحداث التي شهدتها مدينتا القضارف وكسلا في الأيّام الماضية، وهي عبارة عن مظاهرات احتجاج على حديث جارح في هذه المجموعة نُشر في جريدة الأيّام منسوباً للسّيّد رئيس الجمهوريّة. ... أرجو بدايةً أن أنوّه إلى أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها مثل هذا الحديث حول شريحة السّودانيّين الذي تتّصل جذورهم بغرب أفريقيا".

وحقيقة الأمر أنّ مدينة كسلا ومن قبلها مدينة القضارف كانتا قد شهدتا أعمال عنف مصحوبة بالتّظاهر قادها أبناء الهوسا. وهي الأحداث التي أشار إليها وزير الدّاخليّة في تقريره للمجلس الوطني في جلسة الإثنين 20/10/2008م (صحيفة الرّأي العام بتاريخ 21/10/2008م)، حيث اتّهم جهات سياسيّة لم يسمّها بتحريكها. وفي الحقيقة فقد ورد ذلك الحديث المنسوب إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة في مقابلة مطوّلة أجرتها معه جريدة الأيّام، ونُشرت في حلقتين يومي الأوّل والثّاني من أغسطس 2008م. وقد وقعنا على الحلقة الثّانية (2/8/2008م) دون أن نظفر بالحلقة الأولى (1/8/2008م) ما جهدنا في ذلك. وفي الظّنّ أنّ ما نُسب إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة قد ورد في الحلقة الأولى. وملخّص الشّائعة التي قادت إلى تظاهرات الهوسا يعود إلى ما فُهم على أنّه تعريض بسودانيّة الهوسا وذلك استناداً على إشارة السّيّد رئيس الجمهوريّة لقبيلة الهوسا السّودانيّة بوصفها وافدة، وذلك في معرض دفاعه عن الحكومة وتبرئة ذمّتها من استقدام إحدى القابئل العربيّة المتّهمة بتقتيل المدنيّين من تشاد إلى دارفور بحجّة أنّ حدود السّودان مفتوحة أمام تحرّكات القبائل الحدوديّة.

ولكن ما يهمّنا فيما قال به بروفيسور أبو منقة يتجاوز احتجاجه المستحقّ ودفاعه الشّجاع عن سودانيّة الهوسا إلى موضوع آخر ذكره في معرض نعيه على طبقتي العامّة والمثقّفة السّودانيّة التي لا تزال تعشّش في أدمغتها مثل هذه الأفكار البالية. إقرأوا معنا ما قال به أبو منقة: "فهذا يشير إلى أنّ هؤلاء العامّة والمثقّفين لم يسمعوا بالسّياسة السّكّانيّة الجديدة التي تعمل الدّولة على بلورتها. ففي اللقاء التّفاكري حول الهويّة السّودانيّة الذي نظّمه جهاز التّخطيط الإستراتيجي بالتّعاون مع الإدارة العامّة للسّجلّ المدني بدار الشّرطة مساء 7/2/2007م وحضره وزير الدّاخليّة البروفيسور الزّبير بشير طه (وكنتُ مبتدراً للنّقاش فيه)، كان الإجماع فيه أنّ عدد سكّان السّودان حاليّاً لا يتناسب مع ضخامة موارده، حيث يعتبر السّودان الدّولة الحادية عشرة في العالم من حيث الموارد. لذلك لا بدّ من العمل على زيادة السّكّان عن طريق فتح باب الهجرة. وكانت التّوصية أن يُراعى في المهاجرين قدراً من التّشابه مع المجتمع السّوداني القائم من حيث الدّين والقيم والسّلوك، حفاظاً على قيمنا وتراثنا. ولم تحدّد جهة معيّنة يُستقطب منها المهاجرون. فإذا كان الأمر كذلك، فيصبح من باب أولى الاحتفاظ بالمواطنين الموجودين أصلاً قبل الحديث عن المهاجرين الجدد".

ويكشف لنا هذا القول عدّة أشياء خطيرة، أوّلها أنّ خطّة تغيير الخريطة الدّيموغرافيّة للسّودان، والتي تقوم على مبدأ الإحلال والإبدال، ليست سوى سياسة معتمدة من قبل الدّولة. فها هي نفس السّياسة تُتّبع في ظلّ إدارة الوزير الذي خلف الفريق عبد الرّحيم محمّد حسين على وزارة الدّاخليّة، ألا وهو البروفيسور الزّبير بشير طه (المدير الأسبق لجامعة الخرطوم). وممّا يؤكّد هذا أنّ اللقاء التّفاكري المشار إليه أعلاه قد جرى تنظيمه من قبل جهاز التّخطيط الإستراتيجي. ولا نغادر موقفنا هذا دون أن نُشير إلى المنهج المريض في تحضير هذا اللقاء والذي يقوم على استقدام من تدور حول سودانيّتهم الشّبهات ظلماً وبهتاناً، مثل أبناء الفولاني والهوسا (الذين يمثّلهم البروفيسور أبو منقة)، وذلك لتمرير هذه السّياسات. ومن الواضح أنّ البروفيسور أبو منقة على علم بطويّة القوم وما يخفون، من حيث انعقاد العزم عندهم لاستجلاب المصريّين. فهو يوافقهم في هذا ظنّاً منه أنّه بهذا سوف يكرّس من الاعتراف بسودانيّة أهله. ولكن فات عليه أنّ إنّما يُستخدم كوسيلة لتمرير السّياسات العائبة والمشينة حتّى إذا انكشف الأمر وخاب المسعى، باء بها هو وحده دون غيره. غذ سوف ينظر إليه الآخرون على أنّه من قبيل تأمر من هم مشكوك في سودانيّتهم مع نظام حكمٍ فاسد. وبهذا يزيد من معانة أهله المغلوبين على أمرهم. إقرأوا معي ما يقوله أبو منقة بعد هذا مباشرةً: "أقول هذا الكلام وفي ذهني مقال قرأته في صحيفة الرّأي العام الصّادرة بتاريخ الثّلاثاء الموافق 23 سبانبر 2008م بقلم الأستاذ راشد عبد الرّحيم، يتحدّث فيه عن ضعف الوجود المصري في السّودان مقارنةً مع أعداد المواطنين المنحدرين من بعض البلاد الأخرى. ويختم مقاله بالقول: "المصريّون أولى من غيرهم"، أي أولى بالاستقرار في السّودان. وأقول للأخ راشد إنّ السّودان في الوقت الرّاهن بإمكانة استيعاب المصري وغير المصري، ومرحب بالمصريّين حبابهم عشرة".

أنظروا بالله كيف بلغ بنا الهوان مرحلة أن نتسابق في الانبراش لمصر، لا خوفاً منها ولا حبّاً فيها، بل بُغضاً لأنفسنا وتبرّؤاً منها. "
انتهت الحلقة (12) .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (13)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:04 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (13) .
"

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(13)

السّاسة السّودانيّون بين السّيادة الوطنيّة والانبراش لمصر

لاحظ السّودانيّون أنّ هناك حالة من التّراخي الوطني فيما يتعلّق بموضوع السّيادة السّودانيّة، وخاصّة ما يلي نظام الإنقاذ من مسئوليّة بهذا الشّأن، بحكم أنّه الذي يسيطر على مؤسّسة الدّولة. وليس أدلّ على ذلك من اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع التي اتّضح جليّاً الآن أنّها تختصّ بالمصريّين دون السّودانيّين. فأخفّ الموادّ الواردة في الاتّفاقيّة تلك المتعلّقة بحرّيّة السّفر والتّنقّل. إذ في مقدور المصري اليوم أن يدخل السّودان بلا فيزا، بينما لا يستطيع السّوداني الدّخول إلى مصر إلاّ بفيزا، وحتّى الفيزا لا يمكنه الحصول عليها ما لم يثبت قدرته المادّيّة بتقديم سند مالي بآلاف الدّولارات.

ولا يقف هذا التّخاذل في حدّ مسئولي نظام الإنقاذ، بل تعدّاه إلى مواقف العديد ممّن والى نظام الإنقاذ عبر تحالف تكتيكي أم إستراتيجي. من جانب آخر، فيما يتعلّق بالجماعات السّياسيّة المعارضة، لاحظ العديد من النّوبيّين كيف ازورّت الأحزاب التي تقع في خانة المعارضة السيّاسيّة عن تقديم أيّ نقد للدّور المصري، خاصّةً في ليِّه لذراع نظامٍ متضعضع متهاوٍ، تحقيقاً لمكاسب يُحتجُّ بها في المستقبل كحقوق مكتسبة. وكان ممّا أثار قلق السّودانيّين حقيقة أنّ معظم تلك الأحزاب كانت قد قضت أغلب سنِيّ معارضتها لنظام الإنقاذ بمصر، وذلك عندما كانت الأخيرة ترفع لواء معارضة دولة الإنقاذ المتّهمة لديها بتدبير محاولة اغتيال رئيسها حسني مبارك. عندها رفع السّودانيّون السّؤال التّالي: هل تُراها قد شربت أيضاً [أي أحزاب المعارضة المعنيّة] من لبان العمالة المصريّة؟


جلال الدّوقير: أدخلوها بسلامٍ آمنين

من ذلك مثلاً ما نُسب إلى السّيّد جلال الدّين الدّقير (ريم ثروت. 2008. مصر والإمارات وقطر تزرع 6 ملايين فدان قمح في السودان، صحيفة المصري اليوم، 3/4/22008: "كشف جلال الدوقير، وزير الصناعة السوداني، تلقي حكومة بلاده عروضاً من مصر وقطر والإمارات، لاستزراع ما يقرب من ستة ملايين فدان قمح. وقال خلال جولة لوزير الاستثمار المصري محمود محيي الدين، في إحدي شركات السكر، علي هامش زيارته للسودان أمس، إن تكلفة استصلاح واستزراع أرض تكفي لإنتاج مليون طن قمح سنوياً لا تتعدي 2 مليار دولار، مشيراً إلي أن زراعة القمح في السودان بتقنيات حديثة ستصل بسعر الطن إلي نصف ما هو عليه بالأسواق الدولية. وأضاف الدوقير أن مصر تستورد 6 ملايين طن قمح سنوياً، وتستورد السودان مليوني طن، ويتطلب ذلك زراعة ما بين 3 - 4 ملايين فدان لسد العجز في البلدين. وأكد أن السودان في حاجة إلي 5 آلاف من الفلاحين المصريين لزراعة ملايين الأفدنة في السودان، قائلاً: «إن مصر آتية للسودان شئت أم أبيت»، نظراً لكون السودان الحل لأي مشكلة اختناق لمصر". وطبعاً ثبت لاحقاً أنّ الرّقم (5 آلاف من الفلاّحين المصريّي) ما هو إلاّ خطأ، بقصد أو بدون قصد. إذ جاء في الأخبار وعلى الصّفحات الأولى وبالبنط العريض، حسبما أوردنا أعلاه، أنّ الرّقم المقصود هو 5 ملايين فلاّح مصري ( ورد وبالبونط العريض وفي الصّفحة الأولى من جريدة الصّحافة، العدد 5260 بتاريخ 26/5/2008م: ترتيبات لتوطين 5 ملايين فلاّح مصري بالجزير.). واتّباعاً للتّكتيك الإنقاذي المعروف والمجرّب في خداع المواطنين بإغراقهم بسيل من الأنباء المتعارضة والمتناقضة، قامت السّلطات بعد ذلك بيومين بنفي الخبر، هذا مع أنّ أجهزة الرّقابة الأمنيّة على الصّحف ما كانت لتسمح لمثل ذلك الخبر بالظّهور مطلقاً لو أنّهم أرادوا ذلك.

الغريب في أمر أخبار العلاقة بين مصر والسّودان انسياب تدفّقها عبر الصّحف المصريّة بأكثر ممّا تتدفّق عبر الصّحف السّودانيّة. فبخصوص الخبر أعلاه ورد في جريدة الصّحافة، وفي الصّفحة الأولى، تعليقاً على الخبر: (القاهرة: اتّفاق مع الخرطوم لزراعة مليوني فدّان قمحاً)، تاريخ 26/3/2008م، العدد 5305، ما يلي:

"نفى مسؤول في الولاية الشمالية علم حكومة الولائية باتفاق سوداني مصري أعلن عنه وزير الزراعة المصري أمين اباظة يقضي بإقامة مشروع عملاق مشترك لزراعة مليوني فدان بالقمح، بواقع 1.3 مليون فدان في الأراضي السودانية، و700 ألف فدان بجوار بحيرة ناصر في جنوب مصر. وقال المسؤول الحكومى لـ «الصحافة»: «اٍن وجدت مشاورات بين الحكومة الاتحادية والحكومة المصرية حول هذا الأمر ينبغي ان يكون هناك تنسيق مع وزارة الزراعة بالولاية الشمالية». وفي كلمته إلي مؤتمر «الاقتصاد الزراعي ـ الزراعة المصرية.. الواقع والمأمول» أمس الاول، أكد أباظة أنه يجري حاليا الاتفاق مع الجانب السوداني علي تفعيل مشروع التكامل الزراعي المشترك من خلال ما وصفه بأكبر مشروع زراعي يجمع الدولتين لزراعة المحاصيل الاستراتيجية لتأمين الغذاء للبلدين. وفى شأن ذى صلة، قال وزير التجارة المصرى المهندس رشيد محمد رشيد، الذي يرافق الرئيس حسنى مبارك في زيارته لموسكو إن السودان هي الخيار الأول لتأمين احتياجات مصر من الحبوب. موضحا أن هذا الخيار يتفق مع المنطق الاقتصادي لأن قرب المسافة بين البلدين يجعل تكلفة الوقت والنقل أقل بكثير" .
فانظروا معي كيف تُنتهك السّيادة الوطنيّة السّودانيّة وعلى صفحات الجرايد المصريّة. فالقوم يا سادتي يقرّرون في مصير بلادنا ونحن آخر من يعلم .


الصّادق المهدي ومشروع الحُقن السّكّانيّة

في يوم السّبت الموافق 22 نوفمبر 2007م أقامت الجمعية الهندسية بدارها بالخرطوم ندوة عن مبادرة حوض النّيل تحدّث فيها عدد من المسئولين والمختصّين والسّياسيّين. من بين السّياسيّين المدعوين كان هناك الصّادق المهدي، حيث سرد بعضاً من المواقف المتعلّقة بسياسة حكومته إبّان الدّيموقراطيّة الثّالثة إزاء مشكلة المياه والسّدود وطنيّاً وإقليميّاً، منتهياً إلى تقديم مجموعة من الحلول للمشاكل العالقة. من بين الحلول التي تطوّع بتقديمها لمشكلة مصر بخصوص استصلاح الأراضي جاء اقتراحه مباغتاً وغريباً لا يشبهه، إذ قال: "بدلاً من أن تقوم مصر باستصلاح الأراضي الصّحراويّة عندها، الحلّ أن تقوم بالزّراعة في الأراضي السّودانيّة" [راجع توثيق مضمون الإفادة في جريدة الوسيط. صفحة النّدوات. الخميس 29/11/2007. العدد 129. صفحة 5].
يتبع ..

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (13)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:05 am
بواسطة برق خاطف
لقد انزعج السّودانيّون كثيراً من تلك التّصريحات التي صدرت من الصّادق المهدي، وليتهم دروا المنطلقات الرّؤيويّة للصّادق المهدي في هذا الشّأن. ففي الحقيقة لم تكن تلك التّصريحات قد صدرت في لحظة مناورة سياسيّة. إذ يقول الصّادق المهدي في كتابه مياه النّيل: الوعد والوعيد، إصدارات مركز الأهرام للتّرجمة والنّشر، 2000، صفحة 126، تحت العنوان الجانبي (الخريطة السّكّانيّة) ما يلي (ورد كلامه في عدّة فقرات بطريقة كلّ جملة في فقرة واحدة؛ من جانبنا لن نتقيّد في الاقتباس بهذا النّظام: "الخريطة السّكّانيّة الحاليّة للسّودان معيبة. فتوفير الخدمات ومطالب التّنمية يوجب ترشيداً سكّانيّاً يجمع القرى المشتّتة وعددها حوالي 65 ألف قرية في قرى أكبر. كذلك الخريطة الاستثماريّة في السّودان تحتاج لمراجعة أساسيّة. الخريطة السّكّانيّة في مصر معتلّة؛ لأنّ كلّ سكّان مصر تقريباً يسكنون في 3% من أراضيها على شريط النّيل وفي الدّلتا. هنالك محاولات متكرّرة منذ عهد مديريّة التّحرير، والآن الوادي الجديد وتوشكي، للخروج من المواقع السّكّانيّة المعهودة والانتشار السّكّاني ـ في حركة هي عكس الحالة السّودانيّة تماماً. الخريطة السّكّانيّة الجديدة في السّودان سوف تظهر الحاجّة لحقن سكّانيّة في مناطق مختلفة في السّودان. إنّ التّفكير في تنظيم هجرة مصريّة للسّودان أكثر جدوى من محاولات تعمير أراضٍ شبه صحراويّة تكلّف مالاً وماءً كثيرا. وإذا عرضت مصر على السّودان في إطار العلاقة الخاصّة هجرة بشريّة مصحوبة بغطاء مائي واستثماري فهذا عرض لا يُرفض. كذلك إذا عرض السّودان على مصر أرضاً خصبة في أماكن صالحة للعمران، على أن تُهرع إليها أيدي عاملة مهاجرة تصحبها إمكانات استثماريّة ومائيّة فإنّه عرض لا يُرفض".

والآن قارنوا معي تساهل الصّادق المهدي بخصوص استيطان المصريّين بشمال السّودان مقابل تشدّد آخر يتعلّق بالأرض والسّيادة الوطنيّة. ففي معرض نقلها لوقائع الجلسة الافتتاحيّة لمؤتمر حزب الأمّة بالجزيرة، ذكرت جريدة الوطن، الأحد 30/3/2008م، العدد 1742، الصّفحة الأولى: عنوان: "المهدي: ضمّ النّيل الأزرق لإثيوبيا تعدٍّ على الخطوط الحمراء"، صفحة 3: ”... واصفاً مناداة البعض في السّلطة بضمّ النّيل الأزرق لإثيوبيا، والشّرق لإريتريا، ودارفور لتشاد، بأنّه تعدٍّ على الخطوط الحمراء". وعلى ما في هذا القول من خطورة بحسبان جدّيّة هذه المزاعم لدرجة أن يقوم بالتّعليق عليها رئيس الحزب عند افتتاح مؤتمره، وهو المؤتمر الذي غلبت فيه تشديدات رئيس الحزب نفسه على ضرورة مواصلة الحوار والتّفاوض مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، غابت هذه الجزئيّة في التّغطية التي قامت بها جريدة صوت الأمّة (لسان حال حزب الأمّة) 30/3/2008م، العدد97، لنفس الحدث. فكلّ ما نجده في تلك التّغطية فيما يمكن أن يكون له أوهى واشجة فيما نحن بصدده الآتي في تقرير مراسل الصّحيفة محمّد عبدالله (ود مدني) بالصّفحة الأولى تحت عنوان "المهدي: حريصون على مصلحة الوطن ولا نريد الصّيد في الماء العكر": "وأبان المهدي أنّ هناك عوامل عديدة دفعته للمناداة بالتّراضي الوطني تتمثّل في تعثّر اتّفاقيّات السّلام التي أدّت للمشادّة حتّى داخل القصر الجمهوري، علاوة على مشكلة دارفور وتعدّي بعض السّياسيّين للخطوط الحمراء بدعوتهم لتجزئة السّودان". إذن فالصّادق المهدي يقف، وبكلّ حزم، ضدّ تشظّي السّودان إلى دويلات طالما جاء هذا التّشظّي في جهات أخرى بخلاف شمال السّودان، والذي لا يهمّه في كثيرٍ أو قليل أن يذهب إلى مصر المؤمّنة.


تكريم السّودان لمصر وذلك لتفوّقها عليه

وفي النّهاية بلغ الأمر أن قام رئيس الجمهوريّة بتكريم الفريق القومي لكرة القدم، وذلك عقب فوزه ببطولة كأس أفريقيا لدورة 2008م، فمنحهم التّهنئية مشفوعة بالمال والهدايا الرّئاسيّة. وهذه كانت نفس البطولة التي خسر فيها الفريق القومي السّوداني أمام مصر وغيرها من الفرق الأفريقيّة. في سياقٍ كهذا يجيء مثل هذا التّكريم ومثل هذه التّهنئة الرّئاسيّة للفريق المصري لا لفوزه فحسب، بل لتفوّقه على الفريق السّوداني ضمن الفرق التي تفوّق عليها.

فما الذي يدفع بنا إلى مثل هذه السّلوكيّات التي يسمّيها المصريّون "مسخ الجوخ" والتي لا تدفع بالمرء إلى احترام من يجترحها، رئيساً كان أم وزيراً أم خفيرا. لماذا كلّ هذا الانبراش، خاصّةً وأنّه لن يكسبنا احترام المصريّين أنفسهم قبل أن نخسر احترامنا ولأنفسنا واحترام غيرنا لنا؟


منهجيّة التّصريحات المنبريّة والكتابات المندفعة

في الحقيقة صدرت أكثر من تصريحات من هذا النّوع (إعطاء مصر حقّ الاستيطان في شمال السّودان) من العديد من السّياسيّين السّودانيّين الذين يقفون في خانة معارضة نظام الإنقاذ. من ذلك مثلاً ما قاله الشّهيد جون قرنق في ندوة مشهودة بالقاهرة من أنّ حدود السّودان لا تقف شمالاً إلاّ في البحر الأبيض المتوسّط. وقد بلغ الانفعال بأحمد السّيد حمد، أحد قياديي الحزب الاتّحادي الدّيموقراطي، أن وقف وأعلن بدوره أنّه قد أصبح للتّوّ من أشدّ المتحمّسين لخطاب السّودان الجديد. وكذلك نُقل قول مماثل لحسن التّرابي، وذلك بعيد محاولة اغتيال حسني ومبارك، وفي سبيل تحسين علاقات السّودان مع مصر، مقابل اشتطاط إنقاذي آخر رفع شعار تحرير حلايب. فقد قال التّرابي أواسط تسعينات القرن المنصرة ما معناه أنّ حدود مصر في السّودان تقف عند نمولي، بينما تقف حدود السّودان في مصر عند الإسكندريّة. وقد قصد شيخ التّرابي من ذلك صرف هوجاء الإنقاذ من استعداء مصر في الوقت الذي يخوض النّظام حرباً شعواء ضدّ الحركة الشّعبيّة. وفي ندوة بالقاهرة منتصف عام 2008م، تحدّث باقان أموم، الأمين العام للحركة الشّعبيّة، عن رحابة جغرافيّة وسياسيّة بالسّودان تسع أهله والمصريّين معاً. ثمّ من ذلك ما قالته لي في حديثٍ شخصي الأستاذة سعاد إبراهيم أحمد (عضو اللجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي السّوداني) غداة إصدار مجموعة العمل النّوبي لمذكّرتها المعنونة إلى كوفي عنان في أبريل من عام 2004م من أنّنا [تعني السّودانيّين بوجهٍ عام والنّوبيّين بوجهٍ خاص] "لم نطرد الفلاّتة، فلماذا نطرد المصريّين؟".

إزاء كلّ هذا ينهض السّؤال في منهجيّة اعتماد مثل هذه التّصريحات والأقوال التي تُقال في سياقات خاصّة، وتفسيرها خارج ذلك السّياق. هل فعلاً يجوز لنا أن نقبل بمثل هذه التّصريحات اساساً للحكم على من قالوها، لنحاكمهم في وطنيّتهم وحرصهم على السّودان؟ هذا سؤال وجيه ومقبول. لكن في الجانب الآخر، يثور أكثر من سؤال يتعلّق بالمسئوليّة الأخلاقيّة والسّياسيّة في إطلاق القول على عواهنه في سياق حسّاس مثل العلاقات المصريّة السّودانيّة. فإزاء هذا الكمّ الكبير نسبيّاً من الأقوال والتّصريحات المجّانيّة من قبل المسئولين السّياسيّين السّودانيّين، والتي تصبّ جميعها في مصلحة مصر، نكاد لا نلحظ أيّ تصريح مصري يتهاون في مسألة تبعيّة حلايب لمصر، أو ما شابه. الشّيء الآخر والأهمّ هو أنّ سياسيّينا لا يبدو أنّهم يكتفون بإلقاء القول على عواهنه، بل يتبعونه بالعمل. فموضوع الحوض النّوبي، فيما أوردنا من وثائق بدأ كما لو كان كلام مجاملات من بعض المسئولين السّودانيّين. ولكن ها هو قد أصبح واقعاً معاشاً وتهديداً مباشراً لسيادة السّودان على أراضيه.

ولهذا، في رأينا، تنطوي هذه التّصريحات والكتابات، أوردت من جلال الدّقير (وفي الرّواية المصريّة "الدوقير")، أم وردت من مسألة الصّادق المهدي (ومن لفّ لفّهما من باقي سياسيّي السّودان القديم الذين يقعون في خانة المعارضين لنظام الإنقاذ) على العديد من المخاطر، أقلّها أنّ مشكلة استيطان الفلاّحين المصريّين في السّودان تحت العديد من الدّعاوى، ربّما لا تنتهي بنهاية النّظام الحالي. "
انتهت الحلقة (13) .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (14)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:10 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (14) .
"
العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(14)

مذبحة ميدان مصطّفى محمود

صورة السّوداني في الشّارع العربي عامّة والمصري خاصّة

صورة السّوداني في الذّهنيّة العربيّة بعامّةٍ والمصري بخاصّةٍ لا تخرج عن تداعيات ثقافة الرّق وارتباطها باللون الأسود. بالطّبع لن نعدم من يغالطنا في هذا، مثلما لا يعدم النّاس من يغالطهم في ضوء الشّمس رأدَ الضّحى. ودون الدّخول في مماحكات ومغالطات دعوني أحكي لكم هذه القصّة قبل الدخول في تفاصيل ما نحن بصدده: في صباح يوم 26 فبراير 2008م بثّت إحدى قنوات lbc اللبنانيّة برنامج مسابقات على الهواء عبارة عن أسئلة على الجمهور أن يجيب عليها بالهاتف. أحد تلك الأسئلة كان على النّحو التّالي: "مدينة حمراء؛ أسوارُها خضراء؛ سكّانُها عبيد [كذا]؛ مفتاحُها حديد". بالطّبع لا تحتاج الإجابة على هذا اللغز إلى عبقريّة، فالمقصود هنا "البطّيخ". لكن لاحظوا كيف ينظر العرب بكلّ بساطة إلى كلّ ما هو أسود باعتباره عبداً، وبالطّبع هذه هي صورة السّودانيّين عندهم مهما ارتفعت عقيرة البعض بالمكابرة. الطّريف في الأمر أنّ هذا البرنامج بُثّ في اليوم الذي يسبق، وربّما في قناة أخرى، وفيه وردت الإجابة التّالية في إحدى المكالمات: "الصّومال"؛ وفي إجابة أخرى: "السّودان". فتصوّر! .

إذن، بعد هذا، دعونا يا سادتي نرى صورة من صور الإخاء الأزلي بين شعبي وادي النّيل، ثمّ دعونا نرى كيف استثمرت مصر مآسي السّودانيّين، متّخذين من مجزرة ميدان مصطفى محمود للاجئين السّودانيّين بالقاهرة التي جرت على عتبة مباني الأمم المتحّدة للاجئين، أمام عدسات الإعلام العالمي، وذلك صبيحة 30/12/2005م، أي قبل يوم واحد من الذّكرى الثّامنة والأربعين لاستقلال السّودان، نموذجاً؛ ثمّ لنتعرّف على الدّوافع الخفيّة وراء تلك المجزرة الشّنعاء .


القاهرة في تسعينات القرن العشرين: أكبر شرك لصيد السّودانيّين

ما بين عامي 1990م و1995م توافد إلى مصر ما يفوق الخمسة ملايين مواطن سوداني (على أقلّ تقدير وفق العديد من المزاعم المصريّة الرّسميّة)، جميعهم فرّوا من نير القهر والاضطهاد. ما دفع بهذه الملايين إلى مصر عدّة أسباب، أضعفها كان دعاوى الإخاء والعلاقات الأزليّة التي لم يكن من الممكن لهؤلاء اللاجئين أن ينخدعوا بها. إلاّ أنّهم جميعاً، وعلى رأسهم قادة العمل السّياسي المعارض، كانوا في الواقع قد وقعوا في شرك نصبه لهم المصريّون. فمصر حينها لم تكن بها فرص عمل تستوعب المصريّين، ناهيك عن توافد مثل هذا العدد، فضلاً عن عدم قانونيّة تشغيل الأجانب بها. في نفس الوقت لم يكن النّظام المصري يقدّم أيّ إعانات للاّجئين. إذن، أوّلاً، ما الذي دفع بهؤلاء إلى التّوجّه إلى مصر؟ ثمّ، ثانياً، لماذا فتح النّّظام المصري أبوابه لأيّ عدد من السّودانيّين؟ .

الإجابة على السّؤال الأوّل تكمن في أنّ الشّعب السّوداني حينها كان يعيش في معتقل كبير حدوده بحدود السّودان. فجانباً عن المطاردة الشّرسة والمجّانيّة التي كان النّظام يوليها لعامّة المواطنين اعتقالاً وتعذيباً، وذلك بعد تشريدهم من أعمالهم تحت دعاوى الإحالة للصّالح العام [كذا!]، قفلت السّفارات الأجنبيّة، الغربيّة والعربيّة منها خاصّةً، أبوابها أمام السّودانيّين لسابق معرفتهم بأنّ مثل أحوال السّودان هذه ستنجم عنها ظاهرة لجوء سياسي قد تنوء بمصاريفها بلادهم، أللهمّ إلاّ مصر التي فتحت أبوابها لهم. ولأنّه ما كان ليدور في ذهن أيّ واحدٍ من أولئك أنّ هناك وضعاً يمكن أن يكون أسوأ من الوضع بالسّودان، شرع كلّ من ضاق به المقام بالرّحيل إلى مصر كمحطّة وسيطة ريثما ينطلقوا منها إلى المجهول والذي في كلّ الأحوال لن يكون أسوأ من المعلوم .

أمّا فيما يخصّ الإجابة على السّؤال الثّاني، وهو لماذا فتحت مصر أبوابها لهذا العدد المليوني إذا لم يكن في مقدورها ولا في نيّتها تقديم أيّ مساعدة لهم، فيكشف عن الدرك السّحيق الذي يمكن للنّظام المصري أن يصل إليه في استغلال مآسي السّودانيّين. فبمجرّد وصول السّوداني إلى مصر كان يكتشف أنّه كمن هرب من الأسد ليقع في أحضان التّمساح، أي كالمستجير من الرّمضاء بالنّار. فمصر اتّضح أنّها عبارة عن سجن كبير، بل أكثر من ذلك، اتّضح لجموع السّودانيّين أنّ الخروج من مصر إلى رحابة العالم دونه خرط القتاد. فمصر (الشقيقة) كانت قد أجرت العديد من البروتوكولات الدّبلوماسيّة مع جميع السّفارات الأجنبية المعتمدة لديها للحيلولة دون منح السّودانيّين أيّ تأشيرة خروج منها، بحجّة أنّ ذلك سيدفع بأضعاف العدد الحالي للقدوم إلى مصر. تلك كانت حجّة وجيهة بالنّظر إلى الهجمة المليونية للاجئين السّودانيّين. ثم اكتشف السّودانيّون أنّه محكوم عليهم أن يظلّوا عاطلين عن العمل، ليس لقلّته فحسب، بل لتشديد النّظام المصري ضدّ كلّ من يخدّم السّودانيّين. إذن من أين لملايين السّودانيّين أن يأكلوا ويشربوا ويسكنوا؟ .

هنا لم يجد أفراد هذا الشعب المهجور غير أن يتّصل كلّ واحد منهم بأقاربه في دول البترول أو في الدّول الغربيّة لإرسال بعض المال ريثما يتدبّرون أمرهم. وهكذا بدأت تحويلات السّودانيّين تتدفّق على مصر، واستمرّت لأعوام وليس لفترة قصيرة كما كان يظنّ اللاجئون، وذلك لسبب بسيط، إذ لم يكن للمشكلة حلّ. هذا هو السّبب وراء فتح مصر لأبوابها، وهو أمر خطّط له النّظام المصري بدقّة. فيما بين الأعوام 1996م ـ 1999م فاقت تحويلات السّودانيّين ما تدرّه قناة السّويس للخزينة المصريّة. ليس هذا فحسب، بل كان المواطن السّوداني يمرّ بسلسلة من المماطلات المهينة على يد البنوك المصريّة عندما يُخطره ذووه بأنّ المبلغ قد تمّ تحويله على البنك كذا عن طريق الفاكس رقم كذا ... إلخ. بالاستفسار عن المبلغ درجت البنوك على نفي أن تكون التّحويلة قد وصلت (لاحظ أنها بالفاكس، أي أنها فوريّة التّحويل والصّرف). وهكذا تستمرّ المماطلة لأكثر من شهر وأحياناً لشهرين، وهناك كثيرون غادروا القاهرة دون أن يتمكّنوا من صرف الحوالات الماليّة التي أرسلها لهم ذووهم. استمرّ هذا الحال لأكثر من عشرة سنين حتّى ضجّ السّودانيّون بالشّكوى ولا من مغيث. ثمّ أخيراً انتبهت مؤسّسات حقوق الإنسان لشرك "العبيد" الذي نصبه النّظام المصري بيعاً وشراءً للسّودانيّين واستثماراً لمأساتهم الوطنيّة لقاء دراهم من مال السّحت الذي ظلّت الدّولة المصريّة لأكثر من عشرة أعوام ترضع من لبانه. وبهذا شرعت وكالة الأمم المتّحدة للاّجئين في إعادة توطين هؤلاء السودانيّين في العديد من أقطار العالم، وهو الأمر الذي خُتمت فصوله بمأساة مذبحة القاهرة عشيّة عيد الاستقلال 30/12/2005م لجموع اللاّجئين السّودانيّين العزّل .

هؤلاء هم اللاجئون الذي سُحلوا على عتبات المؤسّسة الدّوليّة أمام عدسات الإعلام العالمي، وهم الذين رفضت مفوّضيّة الأمم المتّحدة للاجئين بالقاهرة النّظر في طلبات إعادة توطينهم بحجّة أنّ السّلام قد عمّ السّودان، وذلك بعيد التّوقيع على اتّفاقيّة نيفاشا من نفس العام. وبالطّبع كلّ العالم يعلم بأنّ اتّفاقيّة نيفاشا لم تفشل في إيقاف الحرب الأهليّة في السّودان فحسب، بل حتّى في الجنوب لا تعدو الاتّفاقيّة كونها وقفاً مهزوزاً لإطلاق النّار. فبعد عامين على التّوقيع ذهب سلفا كير إلى أبعد من اتّهام المؤتمر الوطني بعرقلة السّلام إلى التّحذير من عودة الحرب مرّة أخرى [جريدة الأحداث. 11/9/2007. العدد 2. الصّفحة الأولى]؛ وجميعُنا يعلم ما جرى من قبل عندما علّقت الحركة الشّعبيّة مشاركتها في الحكومة وانسحبت إلى الجنوب؛ كما جميعنا يعلم ما قاله باقان أموم (الأمين العام للحركة الشّعبيّة) من أنّ السّودان دولة فاشلة وفاسدة، وطبعاً يقصد دولة نظام الإنقاذ .

لكلّ هذا كان من الطّبيعي والمنطقي أن يُطالب هؤلاء اللاجئون بالنّظر في طلبات إعادة توطينهم، ولهذا قاموا بالاعتصام أمام مبنى المفوّضيّة بحيّ المعادي بالقاهرة، متّخذين من حديقة عامّة مجاورة معسكراً مفتوحاً. وقد استمر الاعتصام لأكثر من ثلاثة شهور. "
انتهت الحلقة (14) .

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (8)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:15 am
بواسطة برق خاطف
شكرا علي مرورك . ارجو ان تنبّه كل الذين تعرفهم انّ هنالك موامرة مصرية لاحتلال السودان .

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (15)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:22 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (15) .
"

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(15)

المذبحة

قتّلونا رُكّعاً وسُجّدا

في حوالي السّاعة الثّالثة صباحاً من فجر 30/12/2005م أحاطت قوّات غفيرة من الجيش والبوليس المصري جموع اللاجئين السّودانيّين المعسكرين والمعتصمين بجوار مبنى مفوّضيّة الأمم المتّحدة للاجئين في حي المهندسين بالقاهرة. اتّخذت القوّات التي فاق عددها 10 ألف جندي مواقع استحكاميّة حول الخيام المضروبة من الورق والملابس والحصائر، في ميدان مصطفى محمود بإزاء مبنى مفوّضيّة اللاجئين. في حوالي الثّالثة والنّصف صباحاً شرعت القوّات بتوجيه خراطيم المياه نحو جموع اللاجئين الذين (ممثّلين في لجنتهم المنتخبة) فشلوا تماماً في الحصول على أيّ معلومة بخصوص ما تنوي هذه القوّات عمله. بعد ذلك بدقائق أمطرت القوّات المحاصرة جموع اللاجئين بوابلٍ من المياه ذات الدّفع الشّديد، حتّى إنّها لتصرع الرّجال مكتملي النّموّ، فتُلقيهم أرضاً ثمّ تُدحرجهم كما لو كانوا أعجاز نخلٍ خاوية. عندها شرعت جموع اللاجئين برجالهم ونسائهم وأطفالهم ـ مسلمين ونصاري ـ في التّكبير والصّلاة، لو أنّ ذلك سيُرقّق قلب الفرعون، فلا يسومهم سوء العذاب ـ ولكن هيهات! ثمّ إن هي إلاّ دقائق، وقد انفرط عقد القوم المساكين، وتشتّتوا في ساحة الميدان كما لو كانوا حُمُراً مستنفرة. عندها هجمت عليهم قوّات البشبوزوق، التي ربّما أعطاها الله كلَّ شيء، إلاّ الرّحمة والحكمة. وكانت المذبحة!

بخصوص هذه المذبحة نشير إلى جملة حقائق تترتّب عليها نتائج جدُّ خطيرة. أولها أنّ هؤلاء الناس كانوا حينها مسجّلين لدى وكالة الأمم المتّحدة لغوث اللاجئين، الأمر الذي يضعهم تحت حمايتها المباشرة. ومع هذا ذُبح هؤلاء العزّل وسُحِلُوا وهم على أعتاب باب المؤسّسة الدّوليّة، وأمام كاميرات وكالات الأنباء العالميّة. النّقطة الثّانية، بلغ عدد الوفيّات الناجم عن تلك الهجمة البربرية لقوات الباشبوزوق والعساكر الإنكشارية في آخر إحصائيّة حرّرتها اللجنة المنبثقة عن اللاجئين نفسهم، وذلك للعديد من مواقع الإنترنت السّودانيّة والدّوليّة المعنيّة بالشّأن السّوداني، 285 حالة وفاة، وليس 26 حالة كما صّرحت بذلك السّلطات المصرية. هذا بناءً على الإحصاءات الواردة ممّن تبقّى من لجنة اللاجئين المعتصمين والتي ظلّت تعمل في ظلّ ظروف لا يعلم بها غير الله، وهي اللجنة التي أهملتها، ليس فقط حكومتا مصر والسّودان، بل الأمم المتّحدة نفسها.

النّقطة الثّالثة، كان هناك تنسيق تام بين النّظام المصري ورصيفه السّوداني، بشأن المذبحة. تؤكّد هذا تصريحات المسئولين المصرييّن للصّحفيّين الذين أفادوا أنّ فض الاعتصام بهذه الطريقة قد تمّ بموافقة النظام في الخرطوم دون أن ينفي نظام الخرطوم ذلك. وفي الحقّ فإنّ إفادة أو نفي هذا المسئول أو خلافه بهذا الشأن ليست بذات بال، ذلك لأنّ مجرّد تأييد النظام في الخرطوم لما فعلته الكلاب البوليسيّة المصريّة يكفي دليلاً ليس على تواطئه فحسب، بل على مشاركته في التخطيط للمجزرة. وتفيد العديد من المصادر المطّلعة في مصر بأنّ التوجيهات كانت محدّدة، وهي توجيه الضربات على الرأس، على غرار "العبد أدّيهو في راسو". وفي سبيل إجبار النّساء اللائي حَمَيْن رؤوسهنّ بأيديهنّ، بلغت النزالة بكلاب الباشبوزوق وقوّات الدفتردار الانتقامية درجة التّجرّؤ على رفع فساتين النّساء حتّى إذا ما أنزلت المرأة يديها عن رأسها لا إراديّاً لستر جسدها انهالوا ضرباً على رأسها. كلّ هذا تمّ تحت أعين وكالات الأنباء العالمية، فتصوّروا! لقد قتلوا الناس وهم يصلّون، مسلمين ونصارى، كما قُتل أصحاب الأخدود، أولئك بالنار وهؤلاء بالماء والهراوات. ثمّ داسوهم بالأقدام في الرّغام والطين والوحل وهم بين برزخ الحياة والموت.

ثمّ ساقوا الناس كالخراف والماعز، منهم من جُرّ من يديه، ومنهم من جُرّ من قدميه، ومنهم من جُرّ من أذنيه، ومنهم من دُفع من الخلف باللكمات والسّياط كالحمير، ومنهم من جُرّ بقدميه وهو ميّت. فساقوهم إلى معسكرات لم تُهيّأ لاستقبال البهائم، فرموهم بها والواحد منهم ينزف بجسده فلا يأبه لذلك إذ يهمّه نزيف الفؤاد المفطور على زوجةٍ غائبة أو طفلٍ مفقود، أو صديقٍ تركه مجندلاً في الوحل. ثمّ ساقوهم للمستشفيات، لا لعلاجهم بل لقتلهم تحت التخدير ثم سرقة أعضائهم الداخلية. ومنهم من فاق من التخدير، فتركوه ينزف حتى نزلت عليه رحمة الله وسكينة الموت ففارقته الحياة. فيما بعد تكدّست أقسام الموتى بالعديد من المستشفيات وهي تضمّ في ثلاّجاتها، كلٍّ على حدة، أعداداً تراوحت ما بين 60 إلى 80 قتيلاً. ومع كلّ هذا لا تزال السّلطات بمصر والسّودان تُصرّ على أنّ العدد الكلّي للضحايا هو 26 فقط. وحتّى لا ينكشف الرقم الحقيقي واصلت السّلطات المصريّة في رفضها السّماح لأهل وذوي القتلى بنقل الجثامين ودفنها في السّودان.

لكن السّؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا غيّرت السّلطات المصريّة من سياسة استضافة اللاجئين السودانيّين إذا كان ذلك يدرّ عليها كلّ تلك الأموال الطّائلة؟ الإجابة تكشف عن بعدٍ آخر للانحطاط المصري الرّسمي. فمن تبقَّوا من اللاجئين السودانيين كانوا في الواقع من فقراء الفقراء ومُعدَمي المُعدمين الذين ليس لهم أحد يرسل لهم بدرةً من المال، فتقطّعت بهم السّبل في مصر إذ خذلتهم مفوّضية اللاجئين. هؤلاء هم فعلاً ملحُ الأرض وسمادُها، منها وإليها، في الرّغام والوحل والطّين، وعلى الأسفلت، وعلى طاولة المشرحة، وهائمين في الطُّرُقات بلا مالٍ أو أوراقٍ ثبوتيّة، أي بلا هويّة. ثمّ بعد كل هذا يتحدّث بعض السّفهاء عن العلاقات الأزليّة والإخاء.

فهل هذا كلّ شيء؟ لا، يا سادتي! فقد جاء في الأنباء أنّ الأمم المتّحدة تُطالب مصر بإعادة فتح التّحقيق في أحداث المنهدسين، هذا بينما مصر ترفض ذلك [جريدة الايّام، الصّفحة الأولى، الإثنين 30 أبريل 2007 الموافق 12 ربيخ الثّاني 1428هـ (عدد 8792)]. وقد نجد لمصر العذر في رفضها، وهذا لعمري نوع العذر الذي قالوا فيه إنّه أقبح من الذّنب. ولكن هو عذرٌ على أيّ حال، فمثل هذا التّحقيق قد يكشف أشياء لا يمكن أن يقبل بها أحد أقدم الأنظمة المركزيّة الدّيكتاتوريّة في تاريخ البشريّة. لكن، يا سادتي، ما بال حكومة السّودان ترفض بدورها إعادة فتح التّحقيق مع مصر ـ وليس معها ـ في أحداث المهندسين. فقد طالعتنا الأنباء في اليوم التّالي بخبر أنّ السّودان يدعم موقف مصر الرّافض لإعادة التّحقيق في أحداث المهندسين [جريدة ألوان، الصّفحة الأولى، الثّلاثاء 1 مايو 2007 الموافق 13 ربيع الثّاني 1428هـ (عدد 3851)؛ جريدة آخر لحظة، عدد 274، الثّلاثاء 1/5/2007م الموافق 13 ربيع الثّاني 1428هـ، الصّفحة 3].

هذا يا سادتي نتركه بلا تعليق، إذ لا نعرف وجهاً غير جارحٍ للغة يمكن أن يستخدم في وصف مثل هذا السّلوك.

لمراجعة أزمة ومعاناة اللاجئين السّودانيّين بمصر وكيف تبتزّهم الظّروف القاسية فيقعون ضحايا لعصابات بيع الأعضاء البشريّة، يرجى مراجعة الرّابط التّالي في بوست الدّكتور بكري الصّايغ بتاريخ 2/10/2008م:

http://www.sudaneseonline.com/cgi-bi...msg=1222982813

ولكن هل انتهت القضيّة عند هذا الحدّ؟ لا والله، بل تفاقمت إلى درجة عاودت بها إلى الصّعود في سلالم الإعلام محلّيّاً وإقليميّاً وعالميّاً. إذ كيف لجرحٍ أن يندمل وهو لا يزال ينزف؟


مصر أرحم لنا من السّودان، وإسرائيل أرحم لنا من مصر

أخيراً لم يجد بقايا اللاجئين بمصر بدّاً من أن يجأوا إلى من كان ينظرون إليه على أنّه ألدّ عدوٍّ بهم وللبشريّة جمعاء: إسرائيل! لقد هرب هؤلاء اللاجئون من نار الحرب الأهليّة بالسّودان إلى مصر ظنّاً منهم أنّ مصر مؤمّنة بأهلها . ولكنّهم كانوا في الواقع كمن هرب من الأسد ليقع في حضن التّمساح. هربوا من القتل المجّاني الذي مارسته عليهم دولتُهم تحت ستر الظّلام وظلال الغابات الكثيفة، لتقوم مصر بتقتيلهم مجّاناً وأمام عدسات الإعلام العالميّة. هربوا من الذّلّ النّاجم عن عودة مؤسّسة الرّق في بلادهم، فإذا بمصر تبيعهم في سوق النّخاسة السّياسيّة بثمنٍ بخس لا يساوي أكثر من الرّصاصة التي وجّهتها إلى صدورهم وهم يصلّون ويدعون اللهَ ليرحمهم. وعندما انغلقت عليهم أبواب الرّحمة ابتلاءً، ولم يبقَ لهم في سبيل التّخلّص من التّمساح غير العودة إلى الأسد، إذ أغلقت عليهم مصر أبواب الخروج منها . ركبوا اليمَّ والبحر، وتسلّلوا إلى دولة إسرائيل، لقد بلغ بهم اليأس أن كسروا قيود كلّ التّابوهات التي عاشوا فيها منذ قرون وقرون، فاختاروا إسرائيل. ولكنّ مصرَ والسّودانَ لم يقبلا لهم بهذا، إذ وقفت مصر، وبموافقة السّودان، لهم بالمرصاد، تنتاشهم رصاصاتُها الغادرات عند الحدود، حتّى أصبح في حكم العادي أن نقرأ: قتل كذا عدد من اللاجئين السّودانيّين لدى تسلّلهم إلى دولة إسرائيل ."
انتهت الحلقة (15) .

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (1)..

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:27 am
بواسطة برق خاطف
الابيات التالية هي ابيات مليئة بالكذب والعنصرية وهي من تاليف احد رموز الثقافة المصرية والمدعو بالطهطاوي :

وما السودان قط مقام مثلي وما سلواي فيه ولا سعادي

بها ريح السمـــوم يشم منه زفير لظى فلا يطفـيه وادي

عواصفـــها صباحاً او مساء دواما في اضطراب واضطراد

ونصف القوم أكثـرهم وحوش وبعض القوم أشبه بالجماد

فلا تعجب إذا طبخوا خليطاً بمخ العظم مع صافي الرماد

ولطخ الدهن في بــدن وشعر كدهن الإبل من جرب القراد

ويضرب بالسياط الزوج حتى يقال أخو البنـات في الجلاد ( يقصد به ضرب السوط عند الجعليين)

ويرتق ما بزوجته زمانا ويصعب فتق هذا الانسداد

واكراه الفتاة على بغاء مع النهي ارتضوه باتحاد

نتيجته المولد وهو غال به الرغباتُ دوما باحتشاد

لهم شغفٌ بتعليم الجواري على شبق مجاذبة السفاد

وشرح الحال منه يضيق صدري ولا يحصيه طرسي أو مدادي

وضبط القول فالأخيار نزرٌ وشرُ الناس منتشر الجراد

ولولا البيض من عرب لكانوا سواد في سواد في سواد

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (16)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:36 am
بواسطة برق خاطف
السلام علي كل سوداني مخلص ورحمة الله تعالي وبركاته
السطور التالية هي الحلقة (16) .

"

العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع

(16)

الحلقة الأخيرة

أشجار الأسئلة الكبرى

هل هناك مؤامرة؟

هل تُرانا نشاهد بأمّ أعيننا السّودان وقد تكالبت عليه دول الاستكبار كما تتكالب الكلابُ على القَصَعة وأهلها نيام، فإذا بحاميها، حراميها؟ فإذا كان جنوب السّودان قد أصبح في حكم المنفصل، وما هي إلاّ مسألة وقت؛ وها هي جبال النّوبة تُشير كلّ الدّلائل على أنّها تنزلق بطريقة منظّمة ومعلومة لهاوية الحرب الأهليّة مرّى أخرى؛ ثمّ ها هي دارفور وقد أحكم عليها الأمريكان الخناق بفضل أفعال هذا النّظام؛ ثمّ ها هو إقليم شرق السّودان المطلّ على البحر الأحمر الذي تتحدّث عنه الخطط الأمريكيّة باعتباره منطقة التّجارة الحرّة القادمة، التي سيجري على أرضها تطبيع العلاقات مع إسرائيل عوضاً عن منطقة الخليج . فالخليج خُطّط له أن يشهد فترة طويلة من الحروب وعدم الاستقرار المتعمّد، خاصّةً بعد شنّ الحرب على إيران. كلّ هذا في إطار ما يعرف بنظام الشّرق الأوسط الجديد الذي يقوم على تفكيك الدّول القطريّة إلى دويلات مشيخيّة (كالخليج حيث لا يغني ثراء الدّولة في حمايتها)، وهو المشروع الذي بدأ بالعراق، ثمّ ها هو يتّجه إلى إيران ومتزامناً معه السّودان، لتعقبهما سوريا، ثمّ السّعوديّة، فمصر ... إلخ. فها هو شمال السّودان وقد تمّ بيعه مقابل أن يغضّ المصريّون الطّرف عن تفكيك السّودان، ثمّ لتوفير الحماية السّياسيّة لنظام الخرطوم المنكمش، وهي لعمري كحماية الذّئب للغنم الرّاعية. يا سادتي، إذا كان هذا ما يحدث فعلاً، فهل هي خطّة عبد الرّحيم حمدي عن مثلّث سنّار ـ دنقلا ـ الأبيّض الذي لا ينبغي للنّظام الحاكم أن يخرج عنه، وذلك باعتبار أنّ ما عداه "مناطق طايرة"؟ .

وماذا عن دخول القوّات العسكريّة المصريّة إلى أراضي السّودان تحت سمع وبصر، بل ومباركة العالم [راجع "كلمة الأيّام"، جريدة الأيّام، الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثّاني 1428هـ، الصّفحة الأولى بعنوان: "الوجود العسكري المصري بدارفور"]؟ فهل هذا التّدخّل (الذي شُكرت عليه مصر وحُمدت من قبل كتبة تلك الكلمة، التي وصفها أكثر من مراقب محلّي بأنّها كلمة رعناء، عديمة الحصافة)، من أجل دارفور، أم من أجل حماية ملايين الفلاّحين المصريّين الذين من المفترض أن يتمّ توطينهم بالحوض النّوبي المتاخم لإقليم دارفور؟ وهل لهذا السّبب يا تُرى جاءت الإشارة إلى أنّ هذه القوّات ستعسكر في شمال دارفور؟ .


وهل يحيق المكرُ السّيّء إلاّ بأهله؟

تتبادر للذّهن عدّة أسئلة، من قبيل: أيّ نظام حكم هذا الذي تقوده حساباته المغلوطة إلى الاعتقاد بأنّه يمكن أن ينجو بفِعلةٍ نكراء كهذي؟ وكذلم السّؤال التّالي: ما هي الفائدة التي يجنيها أيّ نظام حكمٍ من زراعة الظّلم بشكلّ منظّم ومؤسّس على هذا النّحو؟ ثمّ سؤال ثالث: ألم يكتفِ نظام الخرطوم من الحروب الأهليّة في الشّرق والغرب وجبال النّوبة والأنقسنا، ثمّ من قبل كلّ ذلك في الجنوب، حتّى يتحرّى إشعالها في الشّمال كما لو كان يتحرّى رؤية الشّهر؟ .

لكن السّؤال الأهمّ في رأينا هو: إذا سلّمنا بأنّ الله تعالى قد منح نظام الخرطوم كلّ شيء، إلاّ أنّه حرمه البصيرة والهداية والرّشاد، فما بالُ النّظام الحاكم في مصر يؤلّب قبائل السّودان ضدّه، وهي ذات القبائل المنقسمة حدوديّاً، الأمر الذي يعطيها هذا الوضع قوّة فوق قوّة النّضال ونُبله لرفع الظّلم عن كاهلها؟ لقد وجّهت مذكّرة مجموعة العمل النّوبي الاتّهام المباشر إلى مصر بأنّها تعمل على ضمّ شمال السّودان ممثّلاً في مثلّث أقطاره تمتدّ من عوينات إلى دنقلا إلى حلايب، وذلك في حال انفصال الجنوب وتمكّن الأمريكان من تفكيك السّودان. فهب أنّها فعلت ذلك، وبموافقة محور الشّر، أمريكا. فكيف تضمن مصر أنّ أمريكا لن تعود بعد ذلك بسنوات تحت دعاوي مناصرة حقوق النّوبيّين والبجا، لتفكيك مصر نفسها؟ وهل تضمن مصر في تلك الحالة ما إذا كانت ستتمكّن من المحافظة على سيادتها على السّدّ العالي؟ .

وهل تضمن مصر أنّ خطّة تفكيكها إلى دولتين، سوف تقتصر على المناطق المنتزعة من السّودان، أم أنّها ستشمل أيضاً المناطق النّوبيّة كلّها بما في ذلك أسوان، أم أنّ مشروع التّفكيك سوف يمتدّ أعمق من ذلك ليشطر مصر إلى شطرين، جنوبيها أكبر وأغنى من شماليها؟ فمجرّد احتلال مصر لأراضي شمال وشرق السّودان بمباركة أيّ نظام حكمٍ عميل بالخرطوم، لن يكون أمام البجا والنّوبيّين والمناصير والرّباطاب والشّايقيّة والجعليّين إلاّ أن ينظروا للمسألة من زاوية أنّ دولتهم التي كان ينبغي أن ترعى عهدهم قد باعتهم بثمنٍ بخس. في هذه الحالّة لن يقف النّوبيّون بمصر مكتوفي الأيدي، بل تشير كلّ الدّلائل إلى أنّهم سوف يضعون أيديهم فوق أيدي إخوتهم بالسّودان. عندها ستقوم حركة تحرير نبيلة تحتدّ بحدود شمال وشرق السّودان من شندي إلى بورتسودان نزولاً إلى حلايب على البحر الأحمر وأسوان بأدنى النّيل لتتّجه غرباً وصولاً إلى نقطة تقع شمال جبل العوينات عند نقطة الالتقاء مع حدود ليبيا وتشاد. فهل هناك مستقبل لمصر إذا فقدت سيطرتها على نصفها الجنوبي، من البحر الأحمر إلى الحدود الليبيّة، بما في ذلك السّيطرة على السّدّ العالي؟ .

ذكر اللواء حسام سويلم في سياق مناقشات مؤتمر تناول العلاقات السّودانيّة المصريّة (أنظر: أسامة الغزالي [تحرير]، العلاقات المصريّة السّودانيّة بين الماضي والحاضر، القاهرة: مركز البحوث والدّراسات الإستراتيجيّة، 1990م، ص.ص. 553-554): "هناك وثيقة تسمّى (إستراتيجيّة إسرائيل) في الثّمانينات كتبها أدويد بينون، وهو مستشار الأمن القومي لبيغين حدّد فيها الملامح الأساسيّة لإستراتيجيّة إسرائيل حتّى عام 2000م سنرى بها أين نحن مصر والسّودان منها. المخطّط الأوّل: بلقنة المنطقة، أي تقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات صغيرة على أسس عرقيّة وطائفيّة. فخطط لتقسيم السّعوديّة إلى دولة الأحساء ونجد، وخطط تقسيم لسوريا بتقسيمها إلى مع ضمّ جزء منها لتركيا، وخطط لليبيا والمغرب مع اقتطاع البربر، وخطط لضمّ الأردن لإسرائيل، وتقسيم لبنان إلى كانتونات، وتقسيم مصر إلى أربعة أقسام مع ضمّ سيناء لإسرائيل حتّى ترعة الإسماعيليّة. ووفقاً لذلك فإنّ مصر السّنّيّة المسلمة ممتدّة جنوباً إلى المنيا وشمالاً إلى الإسكندريّة. ومصر القبطيّة تتّخذ من الإسكندريّة عاصمةً لها وتمتدّ عبر الصّحراء الغربيّة. ثمّ تقتطع من مصر النّوبة وتنشأ حتّى الخرطوم دويلة النّوبة، ثمّ تقسيم السّودان قسمين: الشّمال المسلم والجنوب الزّنجي النصراني".

وهنا تنهض عدّة تساؤلات بخصوص ما تقوم به مصر الآن من خطط لابتلاع شمال السّودان وذلك بتوطين ملايين الفلاّحين المصريّين تحت غطاء الاستثمار. فهل تراها أصبحت ذراعاً لإسرائيل في تنفيذ ذلك المخطّط الجهنّمي، أم تُراها قد اتّبعت قاعدة "بيدي لا بيد عمرو"؟ فالواضح أنّ مصر تعمل الآن بكلّ جدّ للاستفادة من الوضع المتردّي لنظام الإنقاذ الذي أصبح بمثابة بطّة عرجاء، لا هي قادرة على العوم ولا هي قادرة على المشي برشاقة. ومنتهى آمال دولة مصر في الاستفادة من مصائب أهل السّودان يتلخّص في اقتطاع الجزء الشّمالي، من دنقلا شمالاً بتبعيّة سياديّة كاملة، مع استيطان كبير في باقي أقاليم شمال السّودان النّيلي، وفي شرق السّودان بدلتا طوكر والقاش، دونما أيّ تبعيّة سياديّة.


مع بداية جولة المفاوضات بين حركة العدل والمساواة من جانب والحكومة السّودانيّة من جانب آخر، وهي المفاوضات التي رعتها دولة قطر بالدّوحة، صرّح مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار رئيس الجمهوريّة، بقوله: "مصر تلعب دوراً أساسيّاً في مفاوضات الدّوحة" (جريدة الرّأي العام، 16/2/2009م، العدد 4091). "الحكومة المصريّة منزعجة جدّاً لنشاطات المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدّوليّة". وقد جاء هذا التّصريح كأنّما لا علاقة له بما يجري. إذ ما هي أهمّيّة الدّور المصري في مفاوضات ترعاها الدّوحة، ومصر نفسها ليست على علاقات طيّبة مع قطر؟ وقبلها بيوم، صرّح كلٌّ من أحمد أبو الغيط (وزير الخارجيّة المصري بمعيّة اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصري) لدى لقائهما بالرّئيس عمر البشير بالقول: "مصر تجري اتّصالات مع دول مجلس الأمن لتجميد إجراءات المحكمة الجنائيّة الدّوليّة" (جريدة الأيّام، 15/2/2009م، العدد 9230). مدير المخابرات يقول للصّحفيّين: "نحن نتحرّك وسط أعضاء مجلس الأمن ونسعى لتنفيذ المادّة 16 من القانون الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة لتوقيف أيّ إجراءات ضدّ السّودان والرّئيس البشير". والسّؤال هو: لماذا تفعل مصر كلّ هذا، ولماذا تقف في وجه هذه العاصفة؟ منذ متى كانت مصر مبدئيّة في تعاملها مع القضايا السّودانيّة، وهي التي تحتلّ أراضيه وتعمل بكلّ جدّ لتمصير جزء من التّراب السّودان في شماله (مثلّث حلايب على البحر الأحمر ومثلّث سرّة بأعلى حلفا القديمة)؟ هل تريدنا مصر أن نصدّق أنّها سوف تقف ضدّ المجتمع الدّولي وضدّ مجرى العدالة الدّوليّة من أجل سواد عيون السّودانيّين ومن أجل سواد لون بشرتهم؟ إقرأوا معنا ما قاله أحمد البلاّل الطّيّب يكتب في صفحته "نقطة نظام" (جريدة أخبار اليوم، 16/2/2009م، العدد 5160، الصّفحة الأولى) عن لقاء أبي الغيط وعمر سليمان بالرّئيس البشير: "وأفادت المعلومات المؤكّدة التي حصلنا عليها من مصادر شاركت في الاجتماع أنّ رسالة الرّئيس مبارك وأحاديث السّيّدين أبو الغيط واللواء عمر سليمان لم تتضمّن أيّ مطالب أو شروط مصريّة للتّعامل مع المحكمة الجنائيّة الدّوليّة خلافاً لما فسّره ...". تُرى ما هي هذه الشّائعات؟ ولماذا يركّز أحد أبواق نظام الإنقاذ لنفيها دون الخوض فيها؟ .
ايتبع ..

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (16)

مرسل: الخميس 2011.4.21 12:37 am
بواسطة برق خاطف
كتب أحد أبناء البجا (هاشم نوريت) في موقع سودانيز أون لاين (13/2/2009م) بهذا الخصوص قائلاً:
"اليوم كشف تلفزيون مصرى فى لقاء مع خبير بترولى مصرى أنّ مصر اتّفقت مع شركات بتروليّة أوروبّيّة لاستخراج البترول ومعادن أخرى فى حلايب. وكشف الخبير أنّ العائق كان أنّ مثل هذه الخطوة قد تضرّ بالعلاقات بين السّودان ومصر، إلاّ أنّ الأخيرة ستعمل على إقناع السّودان فى مقابل تقديمها له خدمات لتأجيل ملاحقة البشير وتهدئة حدّة الصّدام بين السّودان والمجتمع العالمى، مستفيدة فى ذلك بعلاقاتها الطّيّبة مع أوروبّا، وخاصّة زعيمة العالم، أمريكا، مقابل تنازل السّودان عن حلايب، وإغلاق هذا الملف نهائيّاً وعندها ستتمكن مصر من استغلال الموارد الكامنة تحت أرض حلايب. هكذا هى الأخوة بين السودان ومصر الفرعونية يحتلون أرضنا ويستغلون مواردنا وهم بالطّبع يعلمون من أين تؤكل الكتف. فأيّ تنازل عن حلايب لن يكون مقبولاً من السّودانيين الشّرفاء، ولا يهمّنا إن قبض على البشير وزمرته، ولكن حلايب لن يفرّط فيها أيّ سودانى؛ وسعي مصر خائب بإذن الله، وأيّ استغلال لمواردها [حلايب] أمر مرفوض، لأنّ مصر دولة محتلّة، وحلايب أرض سودانيّة خالصة، وإن سكت عنها المؤتمر اللاوطنى . "

"قيل إنّ وزير الخارجيّة المصرى سيحضر فى عطلة نهاية الأسبوع للخرطوم خصّيصاً لنزع الموافقة النّهائيّة من الخرطوم للتّنازل عن حلايب، وإيجاد مخرج إعلامى لانسحاب ما تبقّى من جنود سودانيّين من حلايب حتّى تتمكّن مصر من استخراج البترول. وما عُلم أنّ بعضاً من القيادة السّياسيّة السّودانيّة متردّدة من صدى هذا التّنازل وما سيحدثه داخليّاً حيث إنّ أبناء الشّرق لن يسكتوا على مثل هذا التّفريط ممّا سيجعل من يعتقد أنّه الرّابح فى هذه الصّفقة أمام إحراج كبير لدى الشّارع السّودانى. ولكن حتّى المتردّدين من قيادات المؤتمر الوطنى يعقلون مدى عمق المأزق الذى سيدخل فيه السّودان، وخاصّة عمر [البشير]، إذا تمّ إصدار المذكّرة. وما سيزيدهم إحباطاً هو أنّ إذا لم تكن مصر مساندة لهم فلن تمدّ لهم السّعوديّة يد العون. ومصر تعلم حراجة موقفهم، فلذلك ترى أنّ الوقت مناسب، ولن تجد أفضل منه إن هى لم تنتزع من البشير تنازلاً عن حلايب. فهذه فرصة ذهبيّة ربما لن تتكرّر".


وبالطّبع لا يملك أيّ شخص الحقّ في لوم عامّة السّودانيّين إذا ما انتابتهم وعصفت بهم مثل هذه الشّائعات طالما يتكتّم المسئولون في البلدين عن تفاصيل ما يريدونه للعلاقة، ولما يفهمونه من مصطلح التّكامل بيم البلدين. وفي الحقِّ، فقد كان التّلفزيون المصري بعديد قنواته أكثر شفافيّةً فيما يتعلّق بالمخطّطات المصريّة بشأن الاستيطان في السّودان. من ذلك يمكن مراجعة هذه البرامج التي تتعلّق بخطط مصر لزراعة القمح بالسّودان:

http://www.youtube.com/v/BEUzZrPi7iY&hl ... ]WIDTH=400
أو هذا:

http://www.youtube.com/v/UYnNp_ezHKg&hl ... ]WIDTH=400

أو ما أنزله نبيل حامد عن اللجنة الدّوليّة لإنقاذ النّوبة بموقع يوتيوب:
[flash=http://www.youtube.com/v/x0UOZSRqqm8&hl=nl&fs=1&]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]


بالطّبع يمكن الدّفع بأنّ البرامج التّلفزيونيّة لا تعبّر بالضّرورة عن سياسات الدّولة. في المقابل يمكن ردّ هذه الحجّة بكون هذه البرامج مقصودة في ذاتها لأنّها تقوم بعمليّة إفقادٍ منظّمة للحساسيّة السّودانيّة الشّعبيّة إزاء المخطّطات التي قد يكون نظاما الحكم في البلدين قد اتّفقا عليها سرّاً. "
انتهت الحلقة (16) .

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع(2)

مرسل: الأحد 2011.4.24 3:55 pm
بواسطة برق خاطف
..............

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (3)

مرسل: الأحد 2011.4.24 3:56 pm
بواسطة برق خاطف
...........

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (4)

مرسل: الأحد 2011.4.24 3:57 pm
بواسطة برق خاطف
............

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (5)

مرسل: الأحد 2011.4.24 3:59 pm
بواسطة برق خاطف
والسودانيون اكثر من عاني من عنصرية المصريين .. والان يريد المصريون ان يمارس السودانيون العنصرية علي بعضهم البعض ..

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (6) .

مرسل: الأحد 2011.4.24 6:41 pm
بواسطة برق خاطف
..............

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع - (7) .

مرسل: الأحد 2011.4.24 6:44 pm
بواسطة برق خاطف

رد: العلاقات السّودانيّة المصريّة في ظلّ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع (1)..

مرسل: الاثنين 2011.5.2 6:21 pm
بواسطة alfanjry
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الكريم لك التحية والي كل وطنى غيور من اخوتى فى وطنى الحبيب
سيبقى السودان وطنا عزيزا سيدا يحمل رايتة الشرفاء من ابنائة رغم المعانات وقساوة الزمن
سيبقى السودان ، لم ولن يباع طالما ان هنالك رجال تنتمى اليه واليه فقط ولن ترضى بغيره وطنا
سيبقى السودان مادام فى الحياة رمق والى ان يرث الله الارض ومن عليها بأذن الله ، رغم تخازل المتخازلين وجور المتسلطين وطول امد الفاسدين
سيبقى السودان ولن تسبى عزة فهذه واحدة من ملاين المستحيلات
ولا نامت اعين الجبناااااااااااااااء
لكم التحية ولنا لقاء فى ساحات الفداء.