الشذى العباق ودوحة الأشواق

يشمل المواضيع والمشاركات الاسلامية

المشرف: بانه

صورة العضو الرمزية
وحـــيد
مشاركات: 10029
اشترك في: الثلاثاء 2012.3.6 11:00 am
مكان: ‍‍‍‍‍

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة وحـــيد »


اخي المميز طلال
موضوع رررائع
رفع الله قدرك فى الدارين
واجزا لك العطاء
شكرا لطرحك المميز
وانتقائك الهادف
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

وحـــيد كتب:
اخي المميز طلال
موضوع رررائع
رفع الله قدرك فى الدارين
واجزا لك العطاء
شكرا لطرحك المميز
وانتقائك الهادف
أنار بك المكان وإزدان يا أخي المحبوب وحيد
ولك مني اطيب الأمنيات
كما تتمنى وتشتهي يا غالي
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

الضرب الثاني : ما يتفق على المدح بكثرته

و الضرب الثاني ما يتفق المدح بكثرته ، و الفخر بوفوره ، كالنكاح و الجاه : أما النكاح فمتفق فيه شرعاً و عادة ، فإنه دليل الكمال ، و صحة الذكورية ، و لم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة ، و التمادح به سيرة ماضية .
و قد قال عليه السلام : (تناكحوا تناسلوا ، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة .)
و نهى عن التبتل مع ما فيه من قمع الشهوة ، و غض البصر اللذين نبه عليهما صلى الله عليه و سلم بقوله : (من كان ذا طَوْل فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، و أحصن للفرج) حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد .
قال سهل بن عبد الله : قد حببن إلى سيد المرسلين ، فكيف يزهد فيهن ؟ و نحوه لابن عيينه .
و قد كان زهاد الصحابة كثيري الزوجات و قد كره غير و احد أن يلقى الله عزباً .

فإن قلت : كيف يكون النكاح و كثرته من الفضائل ، و هذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً ، فكيف يثني الله بالعجز عما تعده فضيلة ؟ .
و هذا عيسى عليه السلام تبتل عنه النساء ، و لو كان كما قررته لنكح ؟

فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى بأنه حصور ليس كما قال بعضهم :
إنه كان هيوباً ، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين و نقاد العلماء ،
و قالوا : هذه تعد نقيصة و عيب ، و لا تليق بالأنبياء .
و إنما معناه أنه معصوم من الذنوب ، أي لا تأتيها ، كأنه حصر عنها . و قيل :
مانعاً نفسه من الشهوات .
و قيل : ليست له شهوة في النساء .
فقد بان ذلك من هذا أن عدم القدر على النكاح نقص ، و إنما الفضل في كونها موجودة ، ثم قمعها ، إما بمجاهدة ، كعيسى عليه السلام ، أو بكفاية من الله تعالى ، كيحيى عليه السلام فضيلة زائدة لكونها شاغلة في كثير من الأوقات حاطة إلى الدنيا .
ثم هي في حق من أُقْدِر عليها و ملكها و قام بالواجب فيها ، و لم تشغله عن ربه درجة علياء ، و هي درجة نبينا صلى الله عليه و سلم الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه ، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن ، و قيامه بحقوقهن ، و اكتسابه لهن ، و هدايته إياهن ، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو ، و إن كانت من حظوظ دنيا غيره ، فقال : حبب إلي من دنياكم . فدل على أن حبه لما ذكر من النساء و الطِيب اللذين هما من أمور دنيا غيره ، و استعماله لذلك ليس لدنياه ، بل لآخرته ، للفوائد الذي ذكرناها في التزويج ، و للقاء الملائكة في الطِيب ، و لأنه أيضاً مما يحض على الجماع ، و يعين عليه ، و يحرك أسبابه .
و كان حبه لهاتين الخصلتين لأجل غيره ، و قمع شهوته ، و كان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدته جبروت مولاه و مناجاته ، و لذلك ميز بين الحبين ، و فصل بين الحالين ، فقال : و جعلت قرة عيني في الصلاة ، فقد ساوى يحيى و عيسى في كفاية فتنتهن ، و زاد فضيلة بالقيام بهن .

و أما الجاه فمحمود عند العقلاء عادة و بقدر جاهه عِظَمُه في القلوب .
و قد قال الله تعالى في صفة عيسى عليه السلام : (وجيها في الدنيا والآخرة ) آل عمران :45
لكن آفاته كثيرة ، فهو مضر لبعض الناس لعقبى الآخرة ، فلذلك ذمه من ذمه ، و مدح ضده .
و ورد في الشرع مدح الخمول ، و ذم العلو في الأرض .
و كان صلى الله عليه و سلم قد رزق من الحشمة ، و المكانة في القلوب ، و العظمة قبل النبوة عند الجاهلية و بعدها ، و هم يكذبونه و يؤذون أصحابه ، و يقصدون أذاه في نفسه خفية حتى إذا واجههم أعظموا أمره ، و قضوا حاجته .
و أخباره في ذلك معروفة سيأتي بعضها .
و قد كان يبهت و يفْرَق لرؤيته من لم يره ، كما روي عن قيلة أنها لما رأته أرعدت من الفَرَق ، فقال :( يا مسكينة ، عليك السكينة ).
و في حديث أبي مسعود أن رجلاً قام بين يديه فأرعد ، فقال : (هون عليك فإني لست بملك ) الحديث .
فأما عظم قدره بالنبوة ، و شريف منزلته بالرسالة ، و إنافة رتبته بالإصطفاء و الكرامة في الدنيا فأمر هو مبلغ النهاية ، ثم هو في الآخرة سيد ولد آدم .
و على معنى هذا الفصل نظمنا هذا القسم بأسره .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مباهٍ : مكاثر بكم الأمم
التبتل : هو الإنقطاع عن النساء وترك النكاح , وإمرأة بتول أي منقطعة عن الرجال , وبه سميت أم عيسى عليه السلام , وسميت به فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم لإنقطاعها عن النساء فضلا ودينا وحسبا وقبل لإنقطاعها عن الدنيا , وقيل غير ذلك .
من كان ذا طَوْل : الطول : الفضل والمقدرة
حصور : الحصور هو الذي يحبس نفسه عما يكون من الرجال مع النساء , وقيل شهوات الدنيا كلها
هيوباً : الذي يهاب الفعل
يفْرَق : يفزع
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

الضرب الثالث : ما تختلف الحالات في التمدح به


و أما الضرب الثالث ، فهو ما تختلف الحالات في التمدح به و التفاخر بسببه ، و التفضيل لأجله ، ككثرة المال ـ فصاحبه على الجملة معظم عند العامة ، لإعتقادها توصله به إلى حاجاته ، و تمكن أغراضه بسببه ، و إلا فليس فضيلة في نفسه ، فمتى كان المال بهذه الصورة ، و صاحبه منفقاً له في مهمات من اعتراه و أمله ، و تصريفه في مواضعه مشترياً به المعالي و الثناء الحسن ، و المنزلة في القلوب ـ كان فضيلة في صاحبه عند أهل الدنيا ، و إذا صرفه في وجوه البر ، و أنفقه في سبيل الخير ، و قصد بذلك الله و الدار الآخرة ، كان فضيلة عند الكل بكل حال
و متى كان صاحبه ممسكاً له غير موجهه وجوهه ، حريصاً على جمعه ، عاد كثرة كالعدم ، و كان منقصة في صاحبه ، و لم يقف به على جدد السلامة ، بل أوقعه في هوة رذيلة البخل ، و مذمة النذالة
فإذا التمدح بالمال و فضيلته عند مفضله ليست لنفسه ، و إنما هو للتوصل به إلى غيره ، و تصريفه في متصرفاته ، فجامعه إذا لم يضعه مواضعه ، و لا وجهه وجوهه غير مليء بالحقيقة و لا غنى بالمعنى ، و لا ممتدح عند أحد من العقلاء ، بل هو فقير أبداً غير واصل إلى غرض من أغراضه ، إذ ما بيده من المال الموصل لها لم يسلط عليه ، فأشبه خازن مال غيره ، و لا مال له ، فكان ليس في يده منه شيء .
و المنفق مليء و غني بتحصيله فوائد المال ، و إن لم يبق في يده من المال شيء .

فانظر سيرة نبينا صلى الله عليه و سلم و خلقه في المال تجده قد أوتي خزائن الأرض ، و مفاتيح البلاد ، و أحلت له الغنائم ، و لم تحل لنبي قبله ، و فتح عليه في حياته صلى الله عليه و سلم بلاد الحجاز و اليمن ، و جميع جزيرة العرب ، و ما دانى ذلك من الشام و العراق ، و جلبت إليه من أخماسها و جزيتها و صدقاتها ما لا يجني للملوك إلا بعضه ، و هادته جماعة من ملوك الأقاليم فيما استأثر بشيء منه ، و لا مسك منه درهما ، بل صرفه مصارفه ، و أغنى به غيره ، و قوى به المسلمين
و قال :( ما يسرني أن لي أُحُداً ذهباً يبيت عندي منه دينار ، إلا ديناراً أرصده لدين .) (أُحُد : الجبل المعروف بالمدينة)
و أتته دنانير مرة فقسمها ، و بقيت منه ستة ، فدفعها لبعض نسائه ، فلم يـأخذه نوم حتى قام و قسمها ، و قال : (الآن استرحت . )
و مات و درعه مرهونة في نفقة عياله .
و اقتصر من نفقته و ملبسه و مسكنه على ما تدعو ضرورته إليه .
و زهد فيما سواه ، فكان يلبس ما وجده ، فيلبس في الغالب الشملة ، و الكساء الخشن ، و البُرد الغليظ ، و يقسم على من حضره أقيبة الديباج المخوَّصة بالذهب (أي المنسوجة بالذهب) ، و يرفع لمن لم يحضر ، إذ المباهاة في الملابس و التزين بها ليست من خصال الشرف و الجلالة ، و هي من سمات النساء .
و المحمود منها نقاوة الثوب ، و التوسط في جنسه ، و كونه لُبس مثله غير مسقط لمروءة جنسه مما لا يؤدي إلى الشهرة في الطرفين .
و قد ذم الشرع ذلك ، و غاية الفخر فيه في العادة عند الناس إنما يعود إلى الفخر بكثرة الموجود ، و وفور الحال .
و كذلك التباهي بجودة المسكن ، و سعة المنزل ، و تكثير آلاته و خدمه و مركوباته .
و من ملك الأرض ، و جبي إليه ما فيها ، فترك ذلك زهداً و تنزهاً ، فهو حائز لفضيلة المال ، و مالك للفخر بهذه الخصلة إن كانت فضيلة زائد عليها في الفخر ، و مُعرِقٌ (إي صار عريقا) في المدح بإضرابه عنها (أي بأعراضه عنها ) ، و زهده في فانيها ، و بذلها في مظانها .
وداعة محمد وداعة
مشاركات: 55
اشترك في: الاثنين 2013.1.7 9:00 pm
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة وداعة محمد وداعة »

احسنت اخى طلال اطال الله عمرك فى طاعتة و افناك فى حب حبيبة المصطفى المجتبى و البسك من نور جمالة و جلالة و صلى الله و سلم على النور الكامل سيدنا محمد و على الة و صحبة مصابيح الدجى لكل الخلائق
صورة العضو الرمزية
صلاح محجوب عبداللطيف
مشاركات: 4154
اشترك في: الاثنين 2010.9.27 6:09 pm
مكان: مصر - السويس

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة صلاح محجوب عبداللطيف »

بارك الله فيك حبيب قلبي طلال الحكيم
دام قلمك الجميل ودمت بكل الخير
صورة العضو الرمزية
نسيم الشمال
مشاركات: 26385
اشترك في: السبت 2011.6.11 9:14 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة نسيم الشمال »

بارك الله فيك ورزقك الله الفردوس الاعلى آمين
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

وداعة محمد وداعة كتب:احسنت اخى طلال اطال الله عمرك فى طاعتة و افناك فى حب حبيبة المصطفى المجتبى و البسك من نور جمالة و جلالة و صلى الله و سلم على النور الكامل سيدنا محمد و على الة و صحبة مصابيح الدجى لكل الخلائق

أخي الكريم وداعة
جزاك الله خير على الدعوات المباركات
وربنا يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
وجمعنا وإياكم على حب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

صلاح محجوب عبداللطيف كتب:
بارك الله فيك حبيب قلبيطلال الحكيم

دام قلمك الجميل ودمت بكل الخير


حبيبنا الغالي ... ربنا يبارك في ايامك ويسعد قلبك وجميع أحبابك
شرفني وجودك
وأمنياتي لك بدوام الصحة والعافية
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

نسيم الشمال كتب:
بارك الله فيك ورزقك الله الفردوس الاعلى آمين
أخي الحبيب نسيم الشمال
ربنا يتقبل دعاك ... ويرزقنا وإياك الفردوس الأعلى وجميع من يعز علينا وكل المسلمين
مع تحياتي يا غالي
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة


و أما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة و الآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها ، و تعظيم المتصف بالخُلق الواحد منها ، فضلاً عما فوقه و أثنى الشرع على جميعها ، و أمر بها ، و وعد السعادة الدائمة للمتخلق بها ، و وصف بعضها بأنه من أجزاء النبوة ، و هي المسماة بحسن الخلق ، و هو الإعتدال في قوى النفس و أوصافها ، و التوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها ، فجميعها ، قد كانت خُلق نبينا صلى الله عليه و سلم على الإنتهاء في كمالها ، و الإعتدال إلى غايتها ، حتى أثنى الله بذلك عليه ، فقال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم [ سورة القلم ، الآية : 4 ] .
قالت عائشة ـ رضي الله عنها : كان خلقه القرآن ، يرضى برضاه ، و يسخط بسخطه .
و قال صلى الله عليه و سلم : (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .)
قال انس : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خُلقاً .
و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثله .
و كان فيما ذكره المحقوق مجبولاً عليها في أصل خِلقته و أول فطرته ، لم تحصل له باكتساب و لا رياضة إلا بجود إلهي ، و خصوصية ربانية .
و هكذا لسائر الأنبياء ، و من طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك ، كما عرف من حال عيسى و موسى ، و يحيى ، و سليمان ، و غيرهم عليهم السلام .
بل غرزت فيهم هذه الأخلاق في الجبلة ، و أودعوا العلم و الحكمة في الفطرة ، قال الله تعالى : وآتيناه الحكم صبيا [ سورة مريم ، الآية : 12 ] .
قال المفسرون : أعطي يحيى العلم بكتاب الله تعالى في حال صباه .
و قال معمر : كان يحيى ابن سنتين أو ثلاث ، فقال له الصبيان : لم لا تلعب ؟
فقال : (أللعب خلقت ؟!) .
و قيل في قوله تعالى : مصدقا بكلمة من الله : صدق يحيى بعيسى ، و هو ابن ثلاث سنين ، فشهد له أنه كلمة الله و روحه .
و قيل : صدقه و هو في بطن أمه ، فكانت أم يحيى تقول لمريم : إنى أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك ، تحية له .
و قد نص الله تعالى على كلام عيسى لأمه عند ولادتها إياه بقوله لها : (ألَّا تحزني) على قراءة من قرأ (مِن تحتها) و على قول من قال : إن المـُنادي عيسى .
و نص على كلامه في مهده ' فقال : إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا .
و قال : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما [ سورة الأنبياء ، الآية : 79 ] .
و قد ذكر من حكم سليمان و هو صبي يلعب في قصة المرجومة ، و في قصة الصبي ما اقتدى به داود أبوه .
و حكى الطبري أن عمره كان حين أوتي الملك اثني عشر عاماً .
و كذلك قصة موسى مع فرعون و أخذه بلحيته و هو طفل .
و و قال المفسرون ـ في قوله تعالى : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل ، أي هديناه صغيرا ، قاله مجاهد و غيره .
و قال ابن عطاء : اصطفاه قبل إبداء خلقه .
و قال بعضهم : لما ولد إبراهيم عليه السلام بعث الله تعالى إليه ملكاً يأمره عن الله أن يعرفه بقلبه ، و يذكره بلسانه ، فقال : قد فعلت ، و لم يقل أفعل ، فذلك رشده .
و قيل : إن إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار و محنته كانت و هو ابن ست عشرة سنة ، و إن ابتلاء إسحاق بالذبح كان و هو ابن سبع سنين ، و إن استدلال إبراهيم بالكوكب و القمر و الشمس كان و هو ابن خمسة عشر شهراً .
و قيل : أوحي إلى يوسف و هو صبي عندما هم إخوته بإلقائه في الجب ، يقول الله تعالى : وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون [ سورة يوسف ، الآية : 15 ] .
إلى غير ذلك مما ذكرنا من أخبارهم .
و قد حكى أهل السير أن آمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمداً صلى الله عليه و سلم ولد حين ولد باسطاً يديه إلى الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء .
و قال في حديثه صلى الله عليه و سلم : (لما نشأت بُغّضت إليَّ الأوثان . و بُغّض إليَّ الشِعر و لم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين ، فعصمني الله منهما ، ثم لم أعد .)
ثم يتمكن الأمر لهم ، و تترادف نفحات الله عليهم ، و تشرق أنوار المعارف في قلوبهم ، حتى يصلوا إلى الغاية ، و يبلغوا باصطفاء الله تعالى لهم بالنبوة في تحصيل هذه الخصال الشريفةـ النهاية دون ممارسة و لا رياضة ، قال الله تعالى : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما [ سورة يوسف ، الآية 22 ] .
و قد نجد غيرهم يُطبع على بعض هذه الأخلاق دون جميعها ، و يُولد عليها ، فيسهل عليه اكتساب تمامها عناية من الله تعالى ، كما نشاهد من خلقه بعض الصبيان على حسن السمت ، أو الشهامة ، أو صدق اللسان ، أو السماحة ، و كما نجد بعضهم على ضدها ، فبالإكتساب يكمل ناقصها ، و بالرياضة و المجاهدة يستجلب معدومها ، و يعتدل منحرفها ، و باختلاف هذين الحالين يتفاوت الناس فيها . و كل ميسر لما خلق له . و لهذا ما قد اختلف السلف فيها : هل هذا الخلق جبلِّة أو مكتسبة ؟ .
وحكى الطبري عن بعض السلف أن الخلق الحسن جبلة و غريزة في العبد ، و حكاه عن عبد الله بن مسعود ، و الحسن ، و به قال هو .
و الصحيح ما أصّلناه .
و قد روى سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : (كل الخِلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة و الكذب) .
و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثه : و الجُرأة ، و الجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء .
و هذه الأخلاق المحمودة و الخصال الجميلة كثيرة ، و لكنا نذكر أصولها ، و نشير إلى جميعها ، و نحقق وصفه صلى الله عليه و سلم بها إن شاء الله تعالى .
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في بيان أصول هذه الأخلاق و تحقق وصف النبي بها

أما أصل فروعها ، و عنصر ينابيعها ، و نقطة دائرتها فالعقل الذي منه ينبعث العلم و المعرفة و يتفرع عن هذا ثقوب الرأي و جودة الفطنة و الإصابة و صدق الظن و النظر للعواقب و مصالح النفس و مجاهدة الشهوة و حسن السياسة و التدبير و اقتناء الفضائل و تجنب الرذائل .
و قد أشرنا إلى مكانه صلى الله عليه وسلم ، و بلوغه منه و من العلم الغاية القصوى التي لم يبلغها بشر سواه ، و إذ جلالة محله من ذلك و مما تفرع منه متحققة عند من تتبع مجاري أحواله ، و اطراد سيره و طالع جوامع كلامه و حسن شمائله و بدائع سيره و حِكم حديثه و علمه بما في التوراة و الإنجيل و الكتب المنزلة ، و حِكم الحكماء ، و سِير الأمم الخالية و أيامها و ضرب الأمثال و سياسات الأنام و تقرير الشرائع و تأصيل الآداب النفسية و الشيم الحميدة إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة ، و إشاراته حجة ، كالعبارة و الطب و الحساب و الفرائض و النسب - و غير ذلك مما سنبينه في معجزاته إن شاء الله - دون تعليم و لا مدارسة و لا مطالعة كتب مَن تقدَّم ، و لا الجلوس إلى علمائهم ، بل نبي أمي لم يُعرف بشيء من ذلك ، حتى شرح الله صدره و أبان أمره و علمه و أقرأه ، يُعلم ذلك بالمطالعة و البحث عن حاله ضرورة و بالبرهان القاطع على نبوته نظراً .

فلا نطول بسرد الأقاصيص ، و آحاد القضايا ، إذ مجموعها مالاً يأخذه حصر ، ولا يحيط به حفظ جامع ، و بحسب عقله كانت معارفه صلى الله عليه و سلم إلى سائر ما علمه الله تعالى ، و أطلعه عليه من علم ما يكون و ما كان ، و عجائب قدره ، وعظيم ملكوته
قال تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) [ سورة النساء الآية : 113 ]
حارت العقول في تقدير فضله عليه ، و خرست الألسن دون و صف يحيط بذلك أو ينهى إليه .
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في الفرق بين الحلم و الإحتمال ، و العفو مع القدرة ، و الصبر على ما يكره

و أما الحلم و الاحتمال ، و العفو مع المقدرة ، و الصبر على ما يكره ، و بين هذه الألقاب فرق ، فإن الحلم حالة توقر و ثبات عند الأسباب المحركات . و الاحتمال حبس النفس عند الآلام و المؤذيات و مثلها الصبر ، و معانيها متقاربة و أما العفو فهو ترك المؤاخذة .
و هذا كله مما أدب الله تعالى به نبيه صلى الله عليه و سلم ، فقال تعالى( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ سورة الأعراف الآية : 99 1 ] .
روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لم نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عليه السلام عن تأويلها ، فقال له : حتى أسأل العالم .
ثم ذهب فأتاه ، فقال : يا محمد . إن الله يأمرك أن تصل من قطعك ، و تعطي من حرمك ، و تعفو عمن ظلمك . وقال له ( واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (لقمان الآية 17)
و قال تعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) [ سورة الأحقاف الآية : 35 ]
قال ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (النور الآية 22)
و قال تعالى ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) [ سورة الشورى الآية : 3 4 ] .

و لا خفاء بما يؤثر من حلمه و احتماله ، و أن كل حليم قد عرفت منه زله ، و حُفظت عنه هفوه ، وهو صلى الله عليه و سلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبراً ، و على إسراف الجاهل إلا حلماً .
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت ( ما خُير رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ، و ما انتقم رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمه الله تعالى، فينتقم لله بها . )
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لم كُسرت رباعيته و شُج و جهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا ً شديداً ، و قالو : لو دعوت عليهم فقال ( إني لم أبعث لعاناً ، و لكني بعثت داعياً و رحمة , اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )
و روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في بعض كلامه : بأبي أنت و أمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه ، فقال( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) و لو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا ، فلقد وطئ ظهرك ، و أدمي وجهك ، و كسرت رباعيتك ، فأبيت أن تقول إلا خيراً ، فقلت : اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون .

قال القاضي ابو الفضل وفقه الله : انظر في هذا القول من جماع الفضل ، و درجات الإحسان ، و حسن الخلق ، و كرم النفس ، و غاية الصبر و الحلم ، إذ لم يقتصر صلى الله عليه و سلم على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ، ثم أشفق عليهم و رحمهم و دعا و شفع لهم فقال : اغفر أو اهد ، ثم أظهر سبب الشفقة و الرحمة بقوله : لقومي ، ثم اعتذر عنهم بجهلهم ، فقال : فإنهم لا يعلمون .
و لما قال له الرجل : اعدل ، فإن هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله ,لم يزده في جوابه أن يبين له ما جهله و وعظ نفسه ، و ذكرها بما قال له ، فقال (و يحك فمن يعدل إن لم أعدل ؟ خبت و خسرت إن لم أعدل ) و نهى من أراد من أصحابه قتله .
و لما تصدى له غورث بن الحارث ليفتك به ، و رسول الله صلى الله عليه و سلم منتبذ تحت شجرة وحده قائلاً ، و الناس قائلون ، في غزاة ، فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا و هو قائم و السيف صلتاً في يده ، فقال : من يمنعك مني ؟ فقال (الله) فسقط السيف من يده ، فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم ، و قال ( من يمنعك مني ؟) فقال كن خير آخذ ، فتركه و عفا عنه . فجاء إلى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس .

و من عظيم خبره في العفو عفوه عن اليهودية التي سمته في الشاة بعد اعترافها, على الصحيح من الرواية .
و أنه لم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره ، و قد أعلم به و أوحي إليه بشرح أمره ، و لا عتب عليه فضلاً عن معاقبته .
و كذلك لم يؤاخذ عبد الله بن أُبيَّ و أشباهه من المنافقين بعظيم ما نُقل عنهم في جهته قولاً و فعلاً ، بل قال لمن أشار بقتل بعضهم (لا , لئلا يُتحدث أن محمداً يقتل أصحابه)

و عن أنس رضي الله عنه : كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم ، و عليه بُرد غليظ الحاشية ، فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه ، ثم قال : يا محمد ، احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك ، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك .
فسكت النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم قال ( المال مال الله ، و أنا عبده ).
ثم قال : و يقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي .
قال : لا .
قال : لم ؟ قال : لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة .
فضحك النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم أمر أن يحمل له على بعيره شعير ، و على الآخر تمر .
قالت عائشة رضي الله عنهما : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم منتصراً من مظلمة ظُلمها قط ما لم تكن حرمة من محارم الله . و ما ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله . و ما ضرب خادماً قط و لا إمرأة .
و جيء إليه برجل ، فقيل : هذا أراد أن يقتلك . فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ( لن تراع ، لن تراع ، و لو أردت ذلك لم تُسلط علي ).
و جاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقاضاه ديناً عليه ، فجبذ ثوبه عن منكبه ، و أخذ بجامع ثيابه ، و أغلظ له ، ثم قال : إنكم ، يا نبي عبد المطلب ، مُطّل ، فانتهره عمر و شدد له في القول ، و النبي صلى الله عليه و سلم يبتسم .
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أنا و هو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر ، تأمرني بحسن القضاء ، و تأمره بحسن التقاضي )
ثم قال ( لقد بقي من أجله ثلاث ) و أمر عمر يقضيه ماله و يزيده عشرين صاعاً لما روعه ، فكان سبب إسلامه . ذلك انه كان يقول(إي زيد بن سعنة) : ما بقي من علامات النبوة شيء إلا و قد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما : يسبق حلمه جهله ، و لا تزيده شدة الجهل إلا حلماً . فأختبره بهذا ، فوجده كما وصف .

و الحديث عن حلمه عليه السلام و صبره و عفوه عند المقدرة أكثر من أن تأتي عليه ، و حسبك ما ذكرناه مما في الصحيح و المصنفات الثابتة إلى ما بلغ متواتراً مبلغ اليقين من صبره على مقاساة قريش ، و أذى الجاهلية ، و مصابرته الشدائد الصعبة معهم إلى أن أظفره الله عليهم ، وحكمه فيهم ، و هم لا يشكَُون في استئصال شأفتهم ، و إبادة خضرائهم ، فما زاد على أن عفا و صفح ، و قال ( ما تقولون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا : خيراً ، أخ كريم ، و ابن أخ كريم ، فقال ( أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، اذهبوا فأنتم الطلقاء )

و قال أنس : هبط ثمانون رجلاً من التنعيم صلاة الصبح ليقتلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأُخذوا ، فأعقتهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأنزل الله تعالى ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ( (الفتح الآية 24)
و قال لأبي سفيان و قد سيق إليه بعد أن جلب إليه الأحزاب ، و قتل عمه و أصحابه و مثّل بهم ، فعفا عنه ، و لاطفه في القول ( ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ ) فقال : بأبي أنت و أمي ! ما أحلمك و أوصلك و أكرمك .

و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أبعد الناس غضباً ، و أسرعهم رضاً ، صلى الله عليه و سلم
صورة العضو الرمزية
ابن عوف
مشاركات: 7729
اشترك في: الخميس 2008.6.19 7:51 pm
مكان: وسط اهلى الطيبين وسمحين

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة ابن عوف »

يديك العافية

وصلي الله وسلم علي حبينا محمد رسول الله
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]


موضوع قييم اخي طلال
ﺧﺎﻟﺺ ﺗﺤﻴﺎﺗﻲ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮﻯًَ
ﺩﻣﺖ ﺑﺨﻴﺮ

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
الماسة الخماسية
مشاركات: 5439
اشترك في: السبت 2010.4.3 2:09 pm
مكان: مكان

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة الماسة الخماسية »

*،* ياحامل المسك :

لقد أغدقت علينا بعطر المسك والعنبر

ليتك تهدينا مـــــزيدا" من طيب مـــــا تنثر

يطيب مقامنا ونُكثر صلاة" على خير البشر


اللّهم صلّ وسلم على رسولنا (المّنذر) .

صورة العضو الرمزية
ام اسامه
مشاركات: 1670
اشترك في: الأحد 2014.3.2 9:05 am
مكان: الخرطوم

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة ام اسامه »

جزاك الله كل الخير علي الموضوع القيم
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

الأعزاء ... ابن عوف .. ناجي ... الماسة ... أم أسامة ..
لكم عاطر التحايا ونحن نعود لدوحة العشاق لنتنسم منها الشذى العباق ... في هذه الأيام المباركة
مع أطيب الأماني
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في معاني الجود و الكرم ، و السخاء و السماحة
و أما الجود و الكرم و السخاء و السماحة فمعانيها متقاربة و قد فرق بعضهم بينها بفروق ، فجعلوا الكرم الإنفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره (1) و نفعه و سموه أيضا جُرْأة و هو ضد النذالة .
و السماحة : التجافي عما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس ، و هو ضد الشَّكَاسَة (2) .
و السخاء : سهولة الإنفاق و تجنب اكتساب ما لا يُحمد ، و هو الجود ، و هو ضد التَّقْتير فكان صلى الله عليه و سلم لا يُوازى (3) في هذه الأخلاق الكريمة و لا يُبارى ، بهذا وصفه كل من عرفه .
حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، سمعت جابر بن عبد الله يقول : ما سُئل النبي صلى الله عليه و سلم عن شيء فقال : لا .
و قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير ، و أجود ما كان في شهر رمضان ، و كان إذا لقِيَهُ جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة .
و عن أنس أن رجلاً سأله فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى بلده و قال : أسلموا ، فإن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى فاقة .
و أعطى غير واحد مائة من الإبل ، و أعطى صفوان مائة ثم مائة ثم مائة ، و هذه كانت حاله صلى الله عليه و سلم قبل أن يُبعث .
و قد قال له ورقة بن نوفل : إنك تحمل الكَلَّ (4) و تُكسِب المعدُوم (5) .
و رد على هوازن سباياها ، و كانوا ستة آلاف .
و أعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله .
و حمل إليه تسعون ألف درهم ، فوضعت على حصير ، ثم قام إليها فقسمها ، فما رد سائلاً حتى فرغ منها .
و جاءه رجل ، فسأله فقال : ما عندي شيء ولكن ابْتَعْ عليَّ ، فإذا جاءنا شيء قضيناه .. . فقال له عُمر : ما كلفك الله ما لا تقدر عليه .
فكره النبي صلى الله عليه و سلم ذلك . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أنفق و لا تَخْشَ مِن ذي العرش إقلالاً .
فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم ، و عُرف البِشرُ في وجهه ، و قال (بهذا أُمرت)
ذكره الترمذي .
و ذُكر عن معوِّذ بن عفراء ، قال : أتيتُ النبي صلى الله عليه و سلم بقناع من رُطَب (يعني طبقاً) و أُجْرٍ زُغْبٍ (يعني قِثَّاءً) فأعطاني ملء كفه حلياً و ذهباً .
و قال أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يدَّخِر شيئاً لغد .
و الخبر بجوده صلى الله عليه و سلم و كرمه كثير .
و عن أبي هريرة : أتى رجل النبي صلى الله عليه و سلم يسأله ، فاستلف له رسول الله صلى الله عليه و سلم نصف وَسْقٍ (6)، فجاء الرجل يتقاضاه ، فأعطاه وسقاً ، و قال : (نصفه قضاء و نصفه نائل ) (7).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطره : قدره
الشَّكَاسَة : يقال رجل شِكْس .. أي صعب الخُلُق
يُوازى : الموازاة : المقابلة والمواجة .. وفي الصحاح آذيته أي حاذيته ولا تقل وازيته .
تحمل الكَلَّ : الشيء الثقيل والمراد هنا نحو اليتيم والضعيف ومن لا قدرة له
تُكسب المعدُوم : قيل معناه أنك تعطي الناس ما لا يجدونه
نصف وَسْقٍ : الوسق ستون صاعا
نائل : أي عطفا
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في الشجاعة و النجدة

و أما الشجاعة و النجدة (1) :
فالشجاعة فضيلة قوة الغضب و انقيادها للعقل . و النجدة : ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يُحمدُ فعلها دون خوف .
و كان صلى الله عليه و سلم منهما بالمكان الذي لا يُجهل ، قد حضر المواقف الصعبة ، و فرَّ الكُماةُ (2) و الأبطال عنه غير مرة ، و هو ثابت لا يبرح ، و مُقبلٌ لا يُدبِر و لا يتزحزح .
و ما شجاع إلا و قد أُحصيت له فرَّة ، و حُفظت عنه جولة(3) ، سواه .

حدثنا شعبة ، عن أبي اسحاق : سمع البراء و سأله رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفر .
ثم قال : لقد رأيته على بغلته البيضاء (4) و أبو سفيان آخذ بلجامها ، و النبي صلى الله عليه و سلم يقول : أنا النبي لا كذب ، و زاده غيره : أنا ابن عبد المطلب .
قيل : فما رُئي يومئذ أحد كان أشد منه .
و قال غيره : نزل النبي صلى الله عليه و سلم عن بغلته .
و ذكر مسلم ـ عن العباس ، قال : فلما التقى المسلمون و الكفار ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يركض بغلته نحو الكفار ، و أنا آخذ بلجامها أكفها إرادة ألا تسرع ، و أبو سفيان آخذ بركابه ، ثم نادى : يا للمسلمين ... الحديث .
و قيل : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غضب _ و لا يغضب إلا لله _لم يقم لغضبه شيء .

و قال : ابن عمر : ما رأيت أشجع ، ولا أنجد ، ولا أجود ، و لا أرضى ، و لا أفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و قال علي رضي الله عنه : إنا كنا إذا حمي البأس _ و يُروى : اشتد البأس _ و احمرَّت الحَدَق اتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه و لقد رأيتُني يوم بدر و نحن نلوذُ بالنبي صلى الله عليه و سلم ، و هو أقربنا إلى العدو و كان من أشد الناس يومئذ بأساً .
و قيل : كان الشجاع هو الذي يقترب منه صلى الله عليه و سلم إذا دنا العدو ، لقربه منه .
عن أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس ، و أجود الناس ، و أشجع الناس ، لقد فزع أهل المدينة ليلة ، فانطلق ناس قِبَل الصوت ، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعاً ، قد سبقهم إلى الصوت ، وقد استبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عُري ، و السيف في عنقه ، و هو يقول : (لن تراعوا) .
و قال عمران بن حصين : ما لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم كتيبة إلا كان أول من يضرب . و لما رآه أبي بن خلف يوم أحد و هو يقول : أين محمد ، لا نجوت إن نجا .
و قد كان يقول للنبي صلى الله عليه و سلم ـ حين افتدى(5) يوم بدر : عندي فرس أعلفها كل يوم فَرَقاً (6) من ذُرة أقتلك عليها .
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : (أنا أقتلك إن شاء الله) .
فلما رآه يوم أحُد شد أُبي على فرسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فاعترضه رجال من المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم هكذا ، أي خلوا طريقه و تناول الحربة من الحارث بن الصمة ، فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشَّعرَاء (7) عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله النبي صلى الله عليه و سلم ، فطعنه في عنقه طعنة تَدَأدَأ (8) منها عن فرسه مِراراً .
و قيل : بل كسر ضلعاً من أضلاعه ، فرجع إلى قريش يقول : قتلني محمد ، و هم يقولون لا بأس بك . فقال : لو كان ما بي بجميع الناس لقتلهم ، أليس قد قال : (أنا أقتلك) و الله لو بصق عليَّ لقتلني , فمات بِسَرِفَ في قفولهم (9) إلى مكة .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النجدة : في اللغة الشجاعة وفي الحقيقة ما ذكره القاضي رحمه الله
(2) الكُماةُ : جمع كميّ وهو الشجاع المتكمي في سلاحه أي المستتر فيه
(3) جولة : نفور وزوال عن الموقف
(4)بغلته البيضاء : كان صلى الله عليه وسلم يُسمي بغلته (الدلدل)
(5) افتدى : أي أعطى الجزية .

(6) فَرَقا : الفرق يسع ستة عشر رطلا وهو أثنا عشر مداً أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز .
(7) تطاير الشَّعرَاء : هو ذباب أحمر يقع على الإبل .. وفي كتاب البداية و النهاية .. أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبي بن خلف تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن البعير

(8) تَدَأدَأ : أي تدحرج
(9) قفولهم : أي رجوعهم .
أضف رد جديد

العودة إلى ”قطاف إسلامية“