السيرة النبويــة العطــرة

يشمل المواضيع والمشاركات الاسلامية

المشرف: بانه

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وجاء سعد بن معاذ رضي الله عنه باقتراح آخر ، وذلك بأن يقوموا ببناء عريش – وهي الخيمة من الخشب – لكي تكون مكاناً للقيادة والاطلاع على مجريات الأحداث ، إضافةً إلى كونها مقرّاً آمنا للنبي – صلى الله عليه وسلم – للحفاظ على حياته ، فتمّت الموافقة وبُني العريش .
واصطفّ الجيشان ، وقام النبي - صلى الله عليه وسلم – يتفقّد جنده ، يقدم هذا ويؤخّر ذاك ، ويشجّع الناس ويُسدي النصائح ؛ فإن اللقاء المرتقب سيكون صعباً ، وبعد التأكد من دور التعبئة النفسية ، عاد إلى عريشه ليتمّم أسباب النصر بالدعاء فيستنصر ربه ويتذلّل لمولاه : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض ، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني ) واشتدّت مناشدته لربّه حتى سقط عنه رداؤه ، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه وأعاده إلى مكانه ، ثم احتضنه من ورائه وقال : " يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ؛ فإنه سينجز لك ما وعدك " .
عندها خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – من عريشه وقال لعلي : ( ناولني كفاً من حصى ) ، فناوله إياها ، فأخذها النبي – صلى الله عليه وسلم - فرمى بها وجوه المشركين ، وبقدرة الله تعالى ، وصلت تلك الحصيات إليهم ، فما بقى أحدٌ منهم إلا امتلأت عيناه منها ، كما قال تعالى : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } ( الأنفال : 17 ).
بدأت المعركة بمبارزة قويّة بين عتبة بن ربيعة وحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وبين الوليد بن عُتبة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه ، وبين شيبة بن ربيعة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فانتصر حمزة وعلي ، في حين سقط عتبة وشيبة مثخنين بالجراح ، فأجهز حمزة وعلي على الوليد ثم عادا بعبيدة إلى معسكر المسلمين .
والتحم الفريقان ، وتصاعدت حميّة المسلمين وتعالت التكبيرات ، يتقدّمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصول ويجول في أرض المعركة كأنّه جيشٌ وحده ، حتى قال الصحابة يومئذٍ : " قد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا " ، وانطلقت هتافاته - صلى الله عليه وسلم - قائلةً : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) فوصلت تلك الكلمات إلى قلب عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه ، فرمى بتمرات كانت بيده وقال : " لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة " ، ثم انطلق كالسهم يشقّ صفوف المشركين وهو يضرب بسيفه يمنةً ويسره حتى سقط شهيداً .
وجاء المدد الإلهي بقوّات مساندة من آلاف الملائكة لتثبّت الذين آمنوا وترجّح الكفّة لصالحهم ، يقودهم جبريل عليه السلام بفرسه كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، منها قول ابن عباس رضي الله عنه : " بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم – اسم الدابة التي يركبها الملك - ، فنظر إلى المشرك أمامه ، فخرّ مستلقيا ، فإذا هو قد خطم أنفه – قطع أنفه - وشق وجهه كضربة السوط " ، وقول أبي داود المازني : " إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه ، فعرفت أنه قتله غيري " .
وتزعزعت صفوف المشركين ودب الرعب في قلوبهم ، فلم يكونوا يتصوّرون أن هذه الفئة المؤمنة قليلة العدد ومحدودة الإمكانات تستطيع أن تقف في وجوههم وتنتصر عليهم ، وسرعان ما تساقطت جثث المشركين وجن جنون أبي جهل - فرعون هذه الأمة - وهو يرى الهزيمة تنزل بأصحابه ، ولم يعلم أن موعده مع المنيّة أقرب مما يظنّ ، ليس على يد قيادات المسلمين أو فرسانهم ، ولكن على أيدٍ غضّة من فتية مؤمنة ، يقول عبد الرحمن بن عوف : " إني لفي الصف يوم بدر ، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، وما تصنع به ؟ ، قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه ، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه – أي انطلقا نحوه - مثل الصقرين حتى ضرباه " وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما.
وانجلت المعركة عن خسارة فادحة لقريش ، فقد قٌُتل سبعون رجلاً من أشرافهم ، وأُسر منهم سبعون ، فولّوا الأدبار يجرّون أذيال الخيبة ، بينما لم يُقتل من المسلمين سوى أربعة عشر شهيداً ، قدّموا أرواحهم قرباناً لهذا النصر العظيم ، الذي ذاق المسلمون حلاوته ، وخلّد الله ذكره في سورة كاملة ، ليبقى شاهد حقٍ على نُصرة الله لأوليائه ودفاعهم عنه .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وجدت ما وعدني ربي حقا

انتهت معركة بدر بانتصار المسلمين ، وبهزيمة ساحقة للمشركين ، وكان قتلى المشركين سبعين رجلا ، وأسِر منهم سبعون ، وكان أكثرهم من قادة قريش وزعمائهم ، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا ، منهم ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار ، ولما انهزم المشركون أرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة ليبشرا المسلمين في المدينة بنصر الله .. وقد تلقى المسلمون الخبر بسرور كبير، وقد ذكر أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أنه لم يصدق الخبر إلى أن رأى الأسرى ، وقد علت الدهشة الناس ، إذ لم يصدقوا في البداية أن قريشا قد هُزِمت ، وأن زعماءها قد أصبحوا بين قتيل وأسير ، وتحطم كبرياؤهم وجبروتهم ، وظهرت حقيقة آلهتهم الزائفة ، وعقائدهم الباطلة ..

ومن المعلوم أن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لا يعلمون الغيب ، ولا اطلاع لهم على شيء منه ، فقد قال الله تعالى : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }(الأنعام: 50).. وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد اختص بمعرفة علم الغيب ، وأنه استأثر به دون خلقه ، جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم , وجعله معجزة لهم ، ودلالة صادقة على نبوتهم ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا }(الجن: 26، 27) .

وقد اشتهر وانتشر أمره - صلى الله عليه وسلم - بإطلاع الله له على بعض المغيبات ، وكان لأحداث غزوة بدر نصيب من تلك المعجزات الغيبية ، ومنها :

إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصرع الطغاة ورؤوس الكفر وأسمائهم وأماكن مصرعهم قبل المعركة .

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال ، وكنت رجلا حديد البصر فرأيته ، وليس أحد يزعم أنه رآه غيري ، قال: فجعلت أقول لعمر أما تراه ؟ ، فجعل لا يراه ، قال : يقول عمر : سأراه وأنا مستلق على فراشي ، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر ، فقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول : هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله ، قال : فقال عمر : فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال : فجعلوا في بئر بعضهم على بعض ، فانطلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى انتهى إليهم فقال : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا ، فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا ، قال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟! ، قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليَّ شيئا )( مسلم ) .
وقال قتادة ـ في رواية البخاري ـ: " أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما " ..

وفي وقوف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على فم البئر ينادي قتلى المشركين ويكلمهم بعد موتهم عظة وعبرة ، إذ أنهم الآن بعد قتلهم وموتهم في حياة جديدة ، هي حياة البرزخ الخاصة ، التي لا ندري حقيقتها وكيفيتها ، وهو أمر يتعلق بعالم الغيب .
فالإيمان بهذه الحياة وما يحدث فيها من عقائد المسلمين ، فنعيم القبر وعذابه ثابتان في صحيح الأحاديث ، من ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما مرَّ بقبرين : ( إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير )( البخاري ) ، فأثبت ـ صلى الله عليه وسلم ـ عذاب القبر ، وأخبر أن سبب تعذيبهما النم بين الناس وعدم الاستنزاه من البول .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر )( مسلم ) .
فعذاب القبر أمرٌ غيبي، والأمور الغيبية مجالها الاعتقاد ، لأنَّهَا لا تُدرَك بالعقول ، فيجب الإيمان بها والتسليم ، بعد أن تحدث عنها الصادق ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصلتنا بطريق ثابت صحيح ..

وكما شهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ نزول الملائكة في بدر ، هاهم الآن يشهدون حوار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صناديد الكفرـ بعد قتلهم ـ وقد انتهت المعركة ـ ، يعرفهم مصيرهم الأسود ، ويحدثهم أنه قد وجد ما وعده ربه حقا ، فقد تكلل النصر ، وتحقق الوعد، وهاهي جثثهم منتنة في أحد آبار بدر ، وفي ذلك إعلان لانتصار الإيمان على الكفر ، وعلو الحق على الباطل ..

وكم زرع هذا الحدث في نفوس المسلمين من الثقة واليقين ، والسعادة الغامرة ، وهم يشهدون ويسمعون هذا الحوار من رسولهم وقائدهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع زعماء الكفر ، أن قد وجد ما وعده ربه حقا من النصر والتمكين ، فهل وجدوا ما وعدهم ربهم حقا ، ويأتي الجواب الصامت منهم أن قد وجدوا ما أخبر به ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكنهم لا يستطيعون الكلام ..

إن إخبار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مصارع الطغاة في بدر ومخاطبتهم بعد قتلهم ، درس من مدرسة بدر الكبرى ، التي يجب على المسلمين في جميع العصور أن يقفوا أمامه ، لينظروا من خلاله إلى المعايير الإيمانية في مواجهة الحق مع الباطل ، وكيف أن الفئة المؤمنة ـ القليلة العدد والعتاد والمستضعفة في الأرض ـ حين تسلحت بالإيمان بالله، وأخلصت لربها ، وأطاعت نبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وثبتت أمام الفتن والابتلاءات ، وتخلصت من الأهواء والشهوات ، فإن الله تعالى أعزَّها ونصرها على زعماء الكفر ، وتحقق لها النصر الذي وعد الله به عباده ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }(الصافات173:171) ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
عبرة من مصارع الطغاة في بدر

معركة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، وقد عرفت في القرآن الكريم بيوم الفرقان، لأنها فرقت بين الحق والباطل، وكان لها أثرها الكبير في إعلاء شأن الإسلام،وتعتبر هذه الغزوة المباركة يوماً عظيماًً من أيام التاريخ الإسلامي، حيث كانت البداية لظهور المسلمين وعلوّهم، وكل انتصارٍ للمسلمين سيظل مديناً لبدر، التي كانت بداية الفتوح والانتصارات الإسلامية .

وقد التقى في هذه المعركة المقهور بقاهره فشفي منه غيظه، وانتهت بخسارة فادحة لقريش، فقد قٌُتل سبعون رجلاً من أشرافهم، وأُسر منهم سبعون، وكان ممن قٌُتِل وأُسِر أبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم من أئمة الكفر والضلال، وقد كان في قتلهم دليلا من دلائل نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فمن دلائل نبوته ومعجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أُطْلِع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره عنها، وكما جاءت الأدلة على أن الله تبارك وتعالى قد اختُص بمعرفة علم الغيب وحده، جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل، فأعلمهم ما شاء من غيبه، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، قال الله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }(الجـن:27:26).

ومن الأمور الغيبية التي أخبر عنها النبي ـ صلى الله عليه سلم ـ ووقعت أثناء حياته إخباره عن مصارع الطغاة في يوم بدر . ففي اليوم السابق ليوم بدر، تفقد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرض المعركة المرتقبة، وجعل يشير إلى مواضع مقتل المشركين فيها ..

فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ( كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال فجعلت أقول لعمر : أما تراه؟، فجعل يقول لا يراه، قال: يقول عمر : سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي . ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، قال: فقال عمر : فو الذي بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التي حد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ )( مسلم ).

وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل ذلك في مكة قد دعا عليهم بأسمائهم، كما ذكر ذلك مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( .. اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب قليب بدر )..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
مصرع أبي جهل بن هشام

قال عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ : ( بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟، قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟، قال:أُخبِرْت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا . قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال:فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء ) ( البخاري ) .

لقد كان الدافع من حرص الأنصاريين الشابين على قتل أبي جهل ما سمعاه من أنه كان يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا بلغت محبة شباب الأنصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بذل النفس في سبيل الانتقام ممن تعرض للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأذى.

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر : ( من ينظر ما فعل أبو جهل؟، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فأخذ بلحيته فقال : أنت أبا جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتله قومه؟، أو قال : قتلتموه )( البخاري ).

لقد كان أبو جهل شديد الأذى للمسلمين في مكة، وكم لاقى المسلمون من إيذائه واستهزائه، وظل مستكبراً جباراً حتى وهو صريع وفي آخر لحظات حياته، فشاء الله تعالى أن يكون الذي يقضي على آخر رمق من حياة هذا الطاغية هو أحد المستضعفين . فأبقاه الله مصروعاً في حالة من الإدراك والوعي، بعد أن أصابته ضربات الغلامين، ليريه بعين بصره ما بلغه من المهانة والذل على يد من كان يستضعفه ويؤذيه ويضطهده بمكة ..

ومن ثم فليستبشر أئمة الكفر في كل زمان ومكان، بهذه النهاية الذليلة المشؤومة،ـ إن لم يتوبوا إلى ربهم ـ، فالله عز وجل يمهل ولا يهمل، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله ليُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ( البخاري ) .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
قتل أمية بن خلف

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ , قال : ( انطلق سعد بن معاذ معتمرا, قال : فنزل على أمية بن خلف أبى صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد ، فقال أمية لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت؟، فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل, فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ّ!، فقال سعد أنا سعد ، فقال أبو جهل : تطوف بالكعبة آمنا، وقد آويتم محمدا وأصحابه؟!، فقال : نعم, فتلاحيا بينهما , فقال أمية لسعد : لا ترفع صوتك على أبى الحكم، فإنه سيد أهل الوادي. ثم قال سعد : والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام , قال : فجعل أمية يقول لسعد : لا ترفع صوتك وجعل يمسكه، فغضب سعد فقال : دعنا عنك، فإني سمعت محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزعم أنه قاتلك, قال: إياي؟!، قال : نعم. قال والله ما يكذب محمد إذا حدث . فرجع إلى امرأته فقال : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟, قالت: وما قال؟، قال : زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت: فو الله ما يكذب محمد. قال : فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟, قال : فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي، فسر يوما أو يومين، فسار معهم , فقتله الله ) ( البخاري ) .

ويكمل لنا عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ مشهد قتل أمية بن خلف فيقول: ( كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي(أهلي ومالي) بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبته عبد عمرو، فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه(أحميه) حين نام الناس، فأبصره بلال ، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلا ثقيلا، فلما أدركونا قلت له: ابرُك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه ) ( البخاري ).

إن فيما حدث لأبي جهل وأمية بن خلف من قتل مفزع عبرة للذين يغترون بقوتهم، وينخدعون بجاههم ومكانتهم، فيعتدون على الضعفاء، ويسلبونهم حقوقهم، ويصدون عن سبيل الله، فمآلهم إلى عاقبة سيئة ووخيمة في الآخرة، وقد يمكن الله للضعفاء منهم في الدنيا، كما حدث لأمية بن خلف وأبي جهل من طغاة الكفر في بدر، قال الله تعالى:{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } (القصص :5).

والعجب كل العجب من يقين أمية وزوجته بصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحقق وعيده، وخوفهما من ذلك، ثم عدم إيمانهما برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وصدق الله تعالى: { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }(الأنعام: من الآية33).

إن ما وقع على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإخبار بالمغيبات كثير، وذلك بوحي من الله تعالى، للدلالة على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان لأحداث غزوة بدر نصيب من تلك المعجزات الغيبية ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
غزوة بدر...وقضية الأسرى


انتهت معركة بدر ، ولا تزال الفئة المؤمنة تعيش أجمل لحظات انتصارها ، وكل فردٍ من أفرادها تتراءى له مشاهد التعذيب والاستضعاف التي مارسها طغاة قريشٍ أيّام مكّة ، ثم ينظر إلى جثث المشركين وقد تناثرت هنا وهناك ، فتهيج في نفسه مشاعر لا تُوصف من الفرحة والبهجة ، والشكر لله عز وجل الذي أتمّ النصر ، وأعلى الحق ، وأزهق الباطل .



في تلك اللحظات جاء الأمر النبوي بجمع جثث صناديد قريش ، ليعلم الجميع كيف تكون عاقبة الكفر وأهله ، وليغدو مصرعهم عبرةً للأجيال ، فانطلق الصحابة ينفّذون أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دون إبطاءٍ ، وكان من بين هؤلاء عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، الذي قام يتفحّص وجوه الجثث من حوله ، فإذا به يصل إلى أبي جهل وهو في الرمق الأخير ، فانطلق إليه مسرعاً ، فقال له : أأنت أبو جهل ؟ ، فردّ عليه : وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه ؟ ، فقال ابن مسعود : أخزاك الله يا عدو الله ، فنظر أبو جهل إلى ابن مسعود رضي الله وهو جاثم على صدره ، فقال له : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ، فقطع ابن مسعود رأسه فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يبشّره بمقتل عدوّه اللدود .



وتمكّن المسلمون من جمع جثث المشركين التي بلغت أربعاً وعشرين جثّة ، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تُسحب سحباً وتُلقى في أحد الآبار المهجورة في المنطقة ، وكان من بين أولئك القتلى والد أبي حذيفة رضي الله عنه ، فلمح النبي – صلى الله عليه وسلم – التأثّر في وجه ولده فقال له : ( يا أبا حذيفة ، والله لكأنه ساءك ما كان في أبيك ) ، فقال : " والله يا رسول الله ما شككت في الله وفي رسول الله ، ولكن إن كان – أي والده - حليماً سديداً ذا رأي ، فكنت أرجو أن لا يموت حتى يهديه الله عز وجل إلى الإسلام ، فلما رأيت أن قد فات ذلك ، ووقع حيث وقع أحزنني ذلك ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير " ، رواه الحاكم .



وظلّ النبي – صلى الله عليه وسلم – في ساحة المعركة ثلاثة أيّام ، وصارت سنّةً في معاركه كلّها ، حتى إذا كان اليوم الثالث أمر بتجهيز راحلته ثم انطلق إلى موضع دفن المشركين ، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : ( يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ) ، فاستغرب الصحابة أن يُنادي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجساداً لا أرواح لها ، فأجابهم بقوله : ( والذي نفس محمد بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) رواه البخاري .



وبعد الانتهاء من المعركة برزت مشكلة جديدة لم يتعامل المسلمون معها من قبل ، ألا وهي كيفية التصرّف في الغنائم التي غنمها المسلمون في المعركة ، هل يعطونها للطائفة التي قامت بجمعها وحراستها ؟ ، أم يعطونها للذين قاموا بمطاردة فلول المشركين ؟ ، أم أن الذين قاموا بحراسة النبي – صلى الله عليه سلم – أثناء وبعد المعركة هم أحقّ الناس بتلك الغنائم ؟ ، ونزل القرآن الكريم مجيباً عن تلك التساؤلات : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ( الأنفال : 1 ) ، { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ( الأنفال : 41 ) ، رواه أحمد ، فقسّم النبي – صلى الله عليه وسلم – الغنيمة بينهم بالتساوي .



ولم ينسَ النبي – صلى الله عليه وسلم – نصيب أناسٍ تخلّفوا عن المعركة لظروفٍ خاصّة ، كان منهم عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، حيث كان يقوم برعاية شؤون زوجته رقيّة رضي الله عنها في مرضها ، وكان منهم أبو لبابة رضي الله عنه الذي أرجعه النبي – صلى الله عليه وسلم – عند خروجه للقتال ، وأوكل إليه أمر المدينة ، ومنهم والحارث بن حاطب رضي الله عنه الذي أرسله النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بني عمرو بن عوف في مهمّة خاصّة .



ثم جاءت القضيّة الثانية ، وهي كيفيّة التعامل مع الأسرى ، فقد استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته في شأنهم ، فكان رأي أبي بكر رضي الله عنه أخذ الفدية من الكفّار ليتقوّى المسلمون بها ، ولعلّ في ترك قتلهم فرصةً للمراجعة والتفكير بالإسلام ، بينما أشار عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما بقتلهم ، لأنهم أئمة الكفر ، وفي التخلّص منهم ضربةٌ قويّة لأهل مكّة ، بل قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه : " يا رسول الله ، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرمه عليهم نارا " .



ومال النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه ، فحسم الخلاف واختار الفدية ، لكنّ الله عز وجل عاتب نبيّه عتاباً شديداً على هذا الاختيار ، وذلك في قوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم } ( الأنفال : 67-69 ) ، والعتاب إنما جاء لقبول النبي – صلى الله عليه وسلم – للفداء في وقتٍ لم تكن فيه الغلبة والظهور لأهل الحقّ ، مما يكون سبباً في ضعف المسلمين ومعاودة خصومهم للقتال ، وهذا لا يصبّ في مصلحة المسلمين .



وقد تأثّر النبي – صلى الله عليه وسلم - من عتاب ربّه له غاية التأثّر ، وتذكر كتب السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – و أبي بكر رضي الله عنه وهما يبكيان ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال له : ( أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم - ) رواه مسلم .



ثم أذن الله سبحانه وتعالى بقبول الفداء ، فجعل الأسرى يفتدون أنفسهم بما يملكون من المال ، فمنهم من كان يدفع أربعة آلاف درهم ، ومنهم من كان يدفع أكثر من ذلك ، أما الذين لم يكونوا يملكون شيئاً فكان فداؤهم تعليم أولاد المسلمين الكتابة .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وأرادت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّةً شديدة ، وقال لأصحابه : ( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ) فوافقوا على ذلك ، رواه أبو داود .
وقد حاول من كان حاضراً أن يشفع في العباس عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ترك أخذ الفداء منه ، وقالوا : ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه ، فقال لهم : ( والله لا تذرون منه درهماً ) رواه البخاري .
وأوصى النبي – صلى الله عليه وسلم – بمعاملة الأسرى معاملة حسنة ، وقال : ( استوصوا بالأسارى خيرا ) ، فامتثل الصحابة لذلك وضربوا أروع الأمثلة ، يقول أخٌ لمصعب بن عمير رضي الله عنه : " ..وكنت في نفر من الأنصار ، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البرّ ؛ لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه الطبراني .
وقد تركت هذه المعاملة الحسنة أثرها في قلوبهم ، فأسلم كثيرُ منهم في أوقاتٍ لاحقة ، مثل السائب بن عبيد وأبو عزيز رضي الله عنهما ، وعاد أولئك الأسرى إلى مكّة وكلّ حديثهم عن كرم أخلاق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه .
إلا أن ذلك لم يمنع النبي – صلى الله عليه وسلم – مِن قتل مَن اشتدّ أذاه للمسلمين كأمثال عقبة بن أبي معيط ، الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والنضر بن الحارث الذي كان من أكبر المحرّضين على قتال المسلمين .
وعاد الجيش الإسلامي المنتصر إلى المدينة ، يسبقهم زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو راكبٌ ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليُبشّر الناس ، وانطلقت الجموع إلى نواحي المدينة يستقبلون إخوانهم العائدين ، وكان من بين تلك الجموع أم حارثة رضي الله عنها التي بلغها مقتل ولدها الغلام ، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت : " يا رسول الله ، قد عرفتَ منزلة حارثة مني ، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب ، وإن تكن الأخرى – أي النار - ترى ما أصنع " ، فقال لها : ( ويحك ، أو جنةٌ واحدة هي ؟ ، إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس ) رواه البخاري .
أما المنافقون فلم يشاركوا المسلمين فرحتهم ، لأن انتصار المسلمين كان مؤذناً بنهاية أحلامهم في إعادة السيطرة على المدينة ، فاتخذوا سياسة النفاق وإدارة المؤامرات في الخفاء يرأسهم في ذلك عبدالله بن أبي بن سلول الذي قال : " هذا أمر قد توجّه – أي استقرّ - فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام " رواه البخاري .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
غزوات بين بدر وأحد

معركة بدر هي أول لقاء مسلح بين المسلمين والمشركين، كان له أعظم الأثر في قوة شوكة المسلمين وعزهم وكرامتهم، كما أنه كان سبباً لحقد جهات متعددة .. إذ أصبح المشركون والمنافقون يبحثون عن أية فرصة تمكنهم من إلحاق الأذى بالمسلمين، ومن ثم أصبحت الدولة المسلمة الجديدة أمام أوضاع من التحالفات والمكر والكيد الكثير، ولكن تأييد الله تعالى ثم حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسن قيادته أفشل مخططات أعداء الإسلام في مهدها، فكلما هَمَّ الأعداء بمهاجمة المدينة خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمواجهتهم ..

ولأهمية غزوات وسرايا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإن سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم، فكان علي بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ يقول: " كنا نُعلَّم مغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم السورة من القرآن ".

وقد تعددت المواجهات والغزوات بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمشركين بعد معركة بدر وقبل أحد، فمنها :

غزوة بني سليم :

كانت في شوال من السنة الثانية للهجرة، بعد غزوة بدر بسبعة أيام، حيث انتهزت بعض القبائل حول المدينة فرصة انشغال المسلمين في حربهم مع المشركين، فأرادت أن تشن الحرب عليهم في ديارهم، فوصلت الأخبار إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن بني سليم من قبائل غطفان حشدت قواتها لغزو المدينة، فبادرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسار إليهم في مائتي راكب، وعندما وصل المسلمون منازل بني سليم في موضع يقال له: الكُدْر، وهو موضع في بلاد بني عامر بن صعصعة، فرّ بنو سليم، وتركوا في الوادي خمسمائة بعير أخذها المسلمون غنيمة، وقسمها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين المجاهدين بعد إخراج الخُمس، فكان نصيب كل رجل بعيرين، ولم يكن هناك أسرى سوى غلامٍ يقال له: يسار، أعتقه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم رجع المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين بعد بقائهم في ديار القوم ثلاثة أيام ..

غزوة السويق :

خرج أبو سفيان من مكة في مائتي راكب، وذلك بعد أن قرر مفاجأة المدينة بغارة، يعود بعدها وقد ردَّ لقريش بعض سمعتها وهيبتها التي ذهبت في هزيمة بدر، وسلك طريق النجدية حتى نزلوا حي بني النضير ليلاً، واستقبلهم سلاّم بن مشكم سيد بني النضير، فأطعمهم وسقاهم وكشف لهم عن أسرار المسلمين، وتدارس معهم الطرق والوسائل لإيقاع الأذى بالمسلمين، ثم قام أبو سفيان بمهاجمة ناحية العُريض - واد بالمدينة - فقتل رجلين وأحرق نخلا وفر عائداً إلى مكة، فتعقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار، ولكنه لم يتمكن من إدراكهم، لأن أبا سفيان ورجاله قد جدّوا في الهرب في جنح الظلام، وجعلوا يتخففون من أثقالهم، ويرمون ما معهم من المؤن والزاد لكي يستطيعوا الهروب من غير عائق، وكان أكثر ما معهم السويق، وهو نوع من أنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها، فألقوا سويقًا كثيرًا كان غنيمة للمسلمين، ولذلك سميت هذه الغزوة بغزوة السويق، وقد تمكن أبو سفيان من الهرب، وأفلت من العقاب، وعاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة بعد أن غاب عنها خمسة أيام دون أن يلقى حرباً ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
غزوات بين بدر وأحد

غزوة ذي أمر( موضع من ديار غطفان) :

هي أكبر حملة عسكرية قادها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل معركة أحد، قادها في المحرم في السنة الثالثة من الهجرة . وسببها أن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن جمعاً كبيراً من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا، يريدون الإغارة على أطراف المدينة، فندب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين مقاتلاً ما بين راكب وراجل، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ .
وفي أثناء الطريق قبضوا على رجل يقال له : جُبَار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعاه إلى الإسلام فأسلم، فضمه إلى بلال ، وصار دليلاً لجيش المسلمين إلى أرض العدو . فعلم المشركون من بني ثعلبة ومحارب بمسير المسلمين إليهم فتفرقوا وفرّوا إلى رؤوس الجبال، أما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد وصل بجيشه إلى مكان تجمعهم، وهو الماء المسمي بذي أمر، وبقي في نجد مدة تقارب الشهر دون أن يلقى كيداً من أحد، وعاد بعدها إلى المدينة ..

غزوة بحران :

كانت هذه الغزوة في شهر جمادي الأولى من السنة الثالثة للهجرة، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثمائة من المسلمين، بعد أن استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ـ رضي الله عنه ـ، وسار حتى بلغ بَحْران ـ أو بُحْران ـ بين مكة والمدينة، يريد قتال بني سليم، فوجدهم قد تفرقوا خوفا وفزعا تحقيقا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) ( البخاري )، فانصرف عنهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعاد إلى المدينة بعد أن أمضى خارجها عشر ليال ..

وهكذا فإن هذه الغزوات ـ على صغرها وعدم حدوث قتال شديد فيها ـ إلا أنها قد حققت أهدافا وحِكَماً كثيرة ينبغي الوقوف معها للاستفادة منها في واقعنا، ومنها :

إشعار مشركي المدينة ويهودها والمنافقين وأعراب البادية، أن المسلمين أقوياء، ومن حق الدولة المسلمة الجديدة أن تعتني وتفخر بهذه العمليات العسكرية على ضآلة شأنها، فإن المتربصين بالإسلام كُثر، ولن يصدهم عن النيل منه إلا الخوف، كما قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } (الأنفال:60) .

كما أن هذه الغزوات قد أبرزت قدرة القيادة الإسلامية على رصد تحركات العدو، ومعرفة قوته وخططه، ومظاهر الحزم والعزم عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مبادرته بالخروج لغزو أعدائه قبل أن يشتد ويستفحل أمرهم، ويصبحوا خطرا على الدولة المسلمة، والخروج إلى العدو وتتبعه تخويفا له وإظهاراً لقوة المسلمين، وأنهم ليسوا قادرين فقط على هزيمة من تحدّثه نفسه بالاقتراب من المدينة، بل نقل المعركة إلى أرضه هو، ومحاربته في عقر داره .
وكذلك بينت فضْل ومنزلة عبد الله بن أم مكتوم ـ رضي الله عنه ـ الذي استخلفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة، وجواز تولية الأعمى إذا كان صاحب أهلية للولاية من الإيمان والعلم والتقوى ..

ثم إن هذه الغزوات وما شابهها في هذه الصحراء المترامية الأطراف كانت دورات تربوية وعسكرية للصحابة الكرام، فقد كان المنهج النبوي يهتم بتربية الصحابة في ميادين القتال والجهاد، ولا يغفل عن المسجد ودوره في صقل النفوس، وتنوير العقول، وتهذيب الأخلاق من خلال وجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ المربي والمعلم، الذي أصبحت تعاليمه تشع في أوساط المجتمع من خلال القدوة والتوجيه في السلم والحرب، فالمنهاج النبوي الكريم جمع بين التربية السلوكية والأخلاقية من خلال المسجد، والتربية العسكرية من خلال الغزوات والسرايا، حتى يقوى المجتمع المسلم الجديد، ويقوم بدوره بنشر الإسلام في الآفاق ..

.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
الغزوات قبل أحد

في أعقاب غزوة بدر، أخذت الهيبة العسكرية للمسلمين مدى أوسع في ضمن نطاق الجزيرة العربية، وأحس ضعفاء المشركين بالخطر، وشعر أقوياؤهم بغلبة الإسلام، وبدأت النفوس تتطلع إلى الإيمان، فتوسعت دائرة الدخول في الإسلام، ورأى كثيرون أن يدخلوا في الإسلام نفاقاً أو خديعة، وبهذا كله أصبحت الدولة الجديدة أمام أوضاع جديدة من المكر والتآلب والتحالفات، فكان الأعداء يبحثون عن أية فرصة تمكنهم من إلحاق الأذى بالمسلمين، وبالمقابل فإن النبي صلى الله عليه وسلم في مراقبة دائمة لتحركات الأعداء والخصوم، فكلما هَمَّ الأعداء بمهاجمة المدينة خرج النبي صلى الله عليه وسلم لمواجهتهم.

وقد تعددت تلك المواجهات والغزوات قبل موقعة أحد فمنها:-


غزوة بني سليم

كانت في شوال من السنة الثانية للهجرة، بعد غزوة بدر بسبعة أيام، حيث انتهزت بعض القبائل حول المدينة الفرصة بسبب انشغال المسلمين في حربهم مع المشركين بعد بدر، فأرادت أن تشن الحرب على المسلمين في ديارهم، إلا أنه وبعد وصول الأنباء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن "بني سليم" من قبائل غطفان حشدت قواتها لغزو المدينة، سار إليهم في مائتي راكب، وقد استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة سِبَاعَ بن عَرْفَطَةَ، وعندما وصل المسلمون منازل بني سليم في موضع يقال له "الكُدْر" وهو موضع في بلاد بني عامر بن صعصعة، فرّ بنو سليم ، وتركوا في الوادي خمسمائة بعير أخذها المسلمون غنيمةً ، وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المجاهدين بعد إخراج الخُمس ، فكان نصيب كل رجل بعيرين، ولم يكن هناك أسرى سوى غلامٍ يقال له : " يسار " أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع المسلمون إلى المدينة منتصرين غانمين بعد بقائهم في ديار القوم ثلاثة أيام .

فكانت هذه الغزوة درساً قوياً، ورسالةً واضحةً لكل من تسول له نفسه من القبائل الحاقدة والمريضة النيل من الإسلام ودولته الفتية.





غزوة بني قينقاع

وكانت في شوال من السنة الثانية للهجرة، وقد ذكر أهل المغازي والسير أنها وقعت بعد بدر، حيث لم يلتزم يهود بني قينقاع بالمعاهدة التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم معهم، فأظهروا الغضب والحسد عندما انتصر المسلمون ببدر، وظهر ذلك عليهم حينما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم في سوقهم في المدينة ونصحهم، ودعاهم للإسلام، وحذرهم من أن يصيبهم مثل ما أصاب قريش في بدر، غير أن اليهود واجهوا ذلك بالتحدي والتهديد.

وكان سبب هذه الغزوة أن أحد اليهود عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع، فلما قامت انكشفت، فصاحت مستنجدة، فقام أحد المسلمين فقتل اليهودي، ثم تكالب اليهود على المسلم فقتلوه.

فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، سار إليهم على رأس جيش من المهاجرين والأنصار، وكان الذي يحمل اللواء هو حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، وأثناء المسير جاء الأمر من الله تعالى لرسوله بنبذ العهد، قال تعالى: { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } (الأنفال:58).

وعندما علم اليهود بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم تحصنوا في حصونهم، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم مدة خمسة عشرة ليلة، فتفاجأوا بذلك، وأصابهم الخوف والجوع، ونزلوا على حُكم رسول الله بأن لرسول الله وصحابته أموالهم ونسائهم وذراريهم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتَّفوا، وأثناء ذلك قام زعيم المنافقين أُبي بن سلول بدور نفاقه، محاولاً فك أسر حلفائه من اليهود، فألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: " أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هم لك ) ، ثم أمر بإجلائهم، فخرجوا صاغرين، تاركين أموالهم وأسلحتهم غنيمة للمسلمين، وتولى أمر الإجلاء عبادة بن الصامت ، فلحقوا بأذرعات، وتولى قبض أموالهم محمد بن مسلمة ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لديهم من مال.

وكشفت هذه الحادثة لرسول الله والمسلمين حقيقة اليهود وخبثهم، وغدرهم وخيانتهم ونقضهم للعهود.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
الغزوات قبل أحد

غزوة السَّوِيق

وكانت في الخامس من ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، حيث خرج أبو سفيان من مكة في مائتي راكب، وذلك بعد أن قرر أن يفاجيء المدينة بغارة خاطفة يعود بعدها وقد ردَّ لقريش بعض سمعتها وهيبتها التي ذهبت في هزيمة بدر، فلما وصل أبو سفيان إلى أطراف المدينة، لجأ إلى بني النضير ليتدارس معهم كيفية الكيد برسول الله وأصحابه، فهجم برجاله على منطقة يقال لها العريض، وحرقوا بعض النخيل، وقتلوا رجلاً من الأنصار وحليفًا له في بستان لهما، وكل ذلك في جنح الظلام، ثم لاذوا بالفرار عائدين إلى مكة، فكان عملهم أشبه بالقرصنة، فلما علم الرسول بذلك الأمر تعقبه في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار، ولكنه لم يتمكن من إدراكهم، وجعل أبوسفيان وقومه يرمون ما معهم من المؤن والزاد يتخففون به ليستطيعوا الهروب من غير عائق، وكان أكثر ما معهم السويق، وهو نوع من أنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها، فألقوا سويقًا كثيرًا كان غنيمة للمسلمين، ولذلك سميت هذه المناوشة بغزوة السويق، وقد تمكن أبو سفيان من الهرب، وأفلت من العقاب، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن غاب عنها خمسة أيام دون أن يلقى حرباً.

غزوة قَرْقَرَة الكَدَر

كانت في منتصف محرم من السنة الثالثة للهجرة، وذلك بعد ما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جمعاً من بني سُليم وغطفان وبعض القبائل الأخرى تجمعت بمنطقة يقال لها قَرْقَرَة الكَدَر، وهو ماء لبني سليم بقصد الاعتداء على المسلمين، فاستعد رسول الله بالخروج في مائتين راكب من أصحابه، فعندما وصل المسلمون للموقع، فر المشركون مخلفين ورائهم الغنائم للفئة المؤمنة.

غزوة ذي أمر

كانت في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلاً ما بين راكب وراجل، وذلك بعد علمه بأنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون الإغارة على أطراف المدينة، يتزعمهم دعثور بن الحارث ابن محارب ، فاستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي أثناء الطريق قبض المسلمون على رجل يقال له جبار من بني ثعلبة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم، وصار دليلاً للجيش إلى بلاد العدو، وهرب هؤلاء الأعراب من النبي صلى الله عليه وسلم وتفرقوا في رؤوس الجبال، ونزل صلّى الله عليه وآله وسلّم مكان تجمعهم وهو الماء المسمى بذي أمر فعسكر به قريباً من الشهر، ليُشعِر الأعراب بقوة المسلمين ويستولي عليهم الرعب والرهبة.

غزوة بحران

وكانت هذه الغزوة في شهر جمادى الأولى من السنة الثالثة للهجرة، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة من المسلمين حتى بلغ بحران بين مكة والمدينة، يريد قتال بني سليم فوجدهم قد تفرقوا، فانصرف عنهم، ولم ينشب قتال بينهم، ثم عاد إلى المدينة بعد أن أمضى خارجها عشر ليالٍ .

ونلحظ في هذه الغزوات قدرة القيادة الإسلامية على رصد تحركات العدو، ومعرفة قوته، وخططه، لكي تحطم وتشتت هذه التجمعات التي تشكل خطراً جسيماً على الفئة المؤمنة، وعلى المدينة.

وكانت تلك الغزوات بمثابة الدورات التدريبية والتربوية للصحابة الكرام، حيث كانت بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلالها يتربى فيها الجنود على السمع والطاعة، ويتمكنون من تعلم فنون القتال، ويكتسبون خبرات جديدة تعينهم على الوقوف أمام أعداء الله.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
الغزوات قبل أحد

غزوة بني لِحْيان

كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعمل حساب كل القوى المجاورة، ولا يغفل عن أي قوة منها، وقد صرح بعد غزوة الخندق وفشل المشركين وهزيمتهم، بأن الخطة القادمة هي غزو قريش, فقال: ( الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم )( البخاري ) .

فقد تغيرت الموازين، وأصبح المسلمون لهم القدرة على الهجوم أكثر من قبل، فسعى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبسط سيادة الدولة الإسلامية على ما تبقى من قوى حول المدينة، لأن ذلك له صلة بالإعداد لغزو قريش في مرحلة لاحقة، ومن ثم قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون بالعديد من الغزوات والسرايا لمعاقبة المشركين من جهة، أو للثأر من القبائل التي كانت قد غدرت بالدعاة وقتلتهم، وناصبت الإسلام العداء من جهة أخرى، إذ لم ينس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه العشرة الذين قتلوا يوم الرجيع غدرا وخيانة من بني لحيان، في السنة الرابعة من الهجرة ..

فبنو لحيان هم الذين كانوا قد غدروا بعشرة من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرَّجِيع، وتسببوا في قتلهم، ولما كانت ديارهم متوغلة في الحجاز إلى حدود مكة، لم ير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يومها أن يتوغل في البلاد بمقربة من العدو الأكبر، فلما تخاذلت الأحزاب، وضعفت عزائمهم، وانتقل المسلمون من دور الدفاع إلى دور الهجوم، وأصبحوا يمسكون بأيديهم زمام المبادرة، رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الوقت قد حان لتأديب بني لحيان الذين غدروا بخبيب ـ رضي الله عنه ـ وأصحابه وقتلوهم، فخرج إليهم في مائتي صحابي، في ربيع الأول أو جمادى الأولى سنة ست من الهجرة .


وكانت أرض بني لحيان تبعد عن المدينة أكثر من مائتين من الأميال، وهي مسافة بعيدة، يلاقي كل من يريد قطعها مشقة كبيرة، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على الاقتصاص لأصحابه الذين استشهدوا ـ غدراً ـ على يد هذه القبائل الهمجية، التي لا قيمة للعهود عندها .

وكما هي عادة النبي - صلى الله عليه وسلم – في التمويه وتضليل العدو الذي يريد مهاجمته، اتجه بجيشه نحو الشمال بينما عدوه في أقصى الجنوب، حتى انتهي إلى بطن غُرَان ـ واد بين أمَجَ وعُسْفَان وهي منازل بني لحيان ـ حيث كان مصاب أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، فترحم عليهم ودعا لهم ..

وشاء الله أن تكون بنو لحيان متيقظة، فما كاد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقترب بجيشه من منازلهم حتى انسحبوا منها فارين، وهربوا إلى رؤوس الجبال، وذلك بعد أن نقلت إليهم عيونهم خبر اقتراب جيش المسلمين من ديارهم .

ولما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيشه عسكر في ديارهم، ثم بث السرايا من رجاله ليتعقبوا هؤلاء الغادرين، ويأتون إليه بمن يقدرون عليه، واستمرت السرايا النبوية في البحث والمطاردة يومين كاملين إلا أنها لم تجد أيّ أثر لهذه القبائل، إذ تمنعت في رؤوس تلك الجبال الشاهقة .



أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في ديارهم يومين لإرهابهم وتحديهم، وليظهر لأعدائه مدى قوة المسلمين، وقدرتهم على الحركة حتى إلى قلب ديار العدو، فاغتنم فرصة وجوده بجيشه قريباً من مكة، فقرر أن يقوم بمناورة عسكرية يرهب بها المشركين هناك، فتحرك بجيشه حتى نزل به وادي عُسفان(قرية بين مكة والمدينة)، واستدعى أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ، وأعطاه عشرة من أصحابه، وأمره بأن يتحرك بهم نحو مكة ليبث الذعر والفزع في نفوسهم، فاتجه أبو بكر بالفرسان العشرة نحو مكة حتى وصل بهم كُراع الغميم(واد بين مكة والمدينة)، وهو مكان قريب جداً من مكة، فسمعت قريش بذلك، فظنت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينوي غزوها، فانتابها الخوف، وساد صفوفها الذعر، وهذا هو الذي هدف إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - .

أما الصديق وفرسانه العشرة فبعد أن وصلوا كُراع الغميم، وعلموا أنهم قد أحدثوا الذعر والفزع في نفوس أهل مكة، عادوا سالمين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحرك بجيشه عائداً إلى المدينة وهو يقول: ( آيبون، تائبون، لربنا حامدون .. )، وكانت غيبته أربع عشرة ليلة .


وعلى الرغم من فرار بني لحيان، وعدم حدوث قتال بينهم وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إلا أن هذه الغزوة أظهرت حب ووفاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه الذين قتلوا غدرا على يد بني لحيان، إذ كانت هذه الغزوة بعد سنتين من استشهادهم، وما زال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكرهم، ويدعو لهم، ويحاول معاقبة المشركين الذين قتلوهم ..


كما دلت على حكمة التمويه على العدو، وإرهابه وتخويفه، وإظهار القوة له ـ إن كان في ذلك مصلحة ـ وعلى مشروعية المعاقبة بالمثل، بقتال وقتل من خان وغدر بالمسلمين من المشركين، حينما يكون ذلك متاحا ..



لقد بثت غزوة بني لحيان الذعر والرعب في صفوف أعداء المسلمين في مكة وما حولها، وحققت هدفها، فقد أصبحت منطقة الحجاز كلها تتحسب وتخشى قوة المسلمين، وتتوقع في كل يوم غزوا جديدا لها ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
قصة إسلام ضِمامُ بن ثعلبة

لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة في العام الثامن للهجرة وفرغ من تبوك ، وانتشر في أرجاء الجزيرة العربية كلها نبأ الدين الجديد ، وما تضمنه من عقائد ، وما يفرضه على أتباعه من قيم وتعاليم ، أقبلت الوفود إليه من كل مكان تستفسر عن الدين الجديد ، معلنة إسلامها ، وقد اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الوفود وحرص على تعليمها ودعوتها .

قال ابن إسحاق : " ولما افتتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف وبايعت ، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه ، فدخلوا في دين الله أفواجا يضربون إليه من كل وجه " ، وكان من ضمن هذه الوفود ضمام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ .

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه (أجلسه) في المسجد ثم عقله (ربطه) ، ثم قال لهم : أيكم محمد؟ ، ـ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم ـ ، فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ ، فقال له الرجل : ابن عبد المطلب ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد أجبتك ، فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أسألك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد عليَّ (تغضب) في نفسك ، فقال : سل عما بدا لك ، فقال : أسألك بربك ورب من قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ ، فقال : اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ ، قال : اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ ، قال : اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا ؟ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم نعم ، فقال الرجل : آمنت بما جئتَ به ، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ) رواه البخاري .

قال ابن حجر : " وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم : العمل بخبر الواحد ، ولا يقدح فيه مجيء ضمام مستثبتاً ، لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم ، وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث ابن عباس ، وفيه نسبة الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه ، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين : أنا ابن عبد المطلب ، وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد " .

أتى ضمام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ إلى بعيره فأطلق عقاله ، حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أولَ ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى ، فقالوا : مَهْ يا ضِمَام !! اتق البَرَصَ والجُذام والجنون ! ، فقال : ويلكم ! ، إنهما ـ والله - لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولاً ، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه ، فوالله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجل ولا امرأة إلا مسلماً .

قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : " فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضِمامِ بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ " .
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول : " ما رأيت أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام " .
يقول ابن كثير : " وفى هذا السياق ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح ، لأن العزى خربها خالد بن الوليد أيام الفتح " .

وقصة إسلام ضمام ـ رضي الله عنه ـ تدل على مدى انتشار تعاليم الإسلام في وسط القبائل العربية ، حتى جاء ضمام لا ليسأل عنها ولكن جاء ليستوثق منها ، معدداً لها الواحدة تلو الأخرى ، مما يدل على استيعابه لها قبل مجيئه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

كذلك كان ضمام ـ رضي الله عنه ـ حريصاً على قومه ، فبالسرعة التي صدَّق فيها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به ، هاجم الشرك المتمثل في اللات والعزى ، ولم يجامل في الله أحدا بعد أن آمن به ، ولو كانوا قومه وأقرب الناس إليه .

فكان ـ رضي الله عنه ـ أميناً ناصحاً لقومه بقدر ثقتهم فيه ، فلم يُرد أن يظلوا على الشرك لحظة واحدة بعد ما عرف الحق ، وذاق طعم الهداية ، لهذا كان أول ما تكلم به بعد أن اجتمع عليه قومه قوله : " بئست اللات والعزى " ، واندهش القوم لما سمعوا منه ، وخافوا عليه أن يصيبه الجنون أو البرص أو الجذام ، ولكنه ـ رضي الله عنه ـ أجابهم بقوله : " ويلكم ! إنهما ما يضران ولا ينفعان " .

لقد تركت لنا قصة إسلام ضمام ـ رضي الله عنه ـ منهجاً نبويَّا كريماً في حلمه وحكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعوته وتعامله مع الوفود ـ مع اختلاف معتقداتهم وأفكارهم ـ ، وبينت لنا اهتمامه بهم وحرصه على دعوتهم ، ومن ثم رجعت تلك الوفود حاملة الهدى والخير ، يعلمون أقوامهم مما تعلموا فأسلموا ، وبذلك تمت سيادة الإسلام على كافة أنحاء الجزيرة العربية في العام التاسع الهجري .

.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
غزوة الغابة

تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة مع الأعراب ، والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء على حقوق الآخرين .
ويأتي في مقدم ذلك ، غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لقومٍ من بني غطفان فيما عُرف بغزوة الغابة ، إشارةً إلى موضعٍ قرب المدينة من ناحية الشام ، كانت ترعى فيه إبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُعرف هذه الغزوة أيضا بغزوة ذي قرد كما جاء في صحيح البخاري .
والحاصل أن هذه الغزوة كانت قبل فتح خيبر بثلاث ليالٍ ، حينما أوكل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذر بن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أمر تلك الإبل ، فقام عيينة بن حصن الفزاري - وفي رواية : عبدالرحمن بن عيينة - بالإغارة ليلاً على تلك الإبل فأخذها ، وقتل راعيها ، وسبى امرأته .
وعندما أُذّن لصلاة الفجر ، أسرع غلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ليخبره بما فعلته هذه العصابة في إبل المسلمين ، فما كان من سلمة إلا أن ارتقى مرتفعاً من الأرض ليصرخ بأعلى صوته ؛ مستنجداً بالمسلمين كي يهبوا للذود عن أملاكهم ، وقد جاء في رواية البخاري : " فصرخت ثلاث صرخات : يا صباحاه ، فأسمعت ما بين لابتي المدينة " .
فلما بلغ الخبر رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، تأهب هو وأصحابه للجهاد ، ونودي : يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، فكانت هذه الغزوة ، وهي أول غزوة بعد الحديبية وقبل خيبر .
وركب رسول الله مقنعاً في الحديد ، فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر ، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه ، وقال امض حتى تلحقك الخيول ، إنا على أثرك ، واستخلف رسول الله ابن أم مكتوم على المدينة .
وكان أسرع القوم انطلاقا إلى أولئك الأعراب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، إذ تذكر روايات السيرة انطلاقه مسرعاً إلى القوم بمجرّد أن استصرخ بالمسلمين ، كما تشير مصادر السيرة إلى أنه كان أسرع الناس عدواً ، حتى إنه لحق القوم على رجليه ، فأدركهم وهم يستقون الماء ، فجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول : " خذها وأنا ابن الأكوع ، واليوم يوم الرضع " يعني : واليوم يوم هلاك اللئام .
ولم يزل يرميهم ويثخنهم بالجراح حتى ألجأهم إلى مضيقٍ في الجبل ، فارتقى سلمة الجبل وجعل يرميهم بالحجارة فانطلقوا هاربين ، ولما اشتدّ بهم العطش قصدوا ماءً ليشربوا منها ، فمنعهم سلمة بسهامه ، وهكذا توالت سهامه عليهم حتى ألقوا بالكثير من متاعهم التي أثقلتهم عن الهروب ، وكانوا كلما ألقوا شيئا وضع عليه علامة كي يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستمر على ذلك طيلة اليوم حتى استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بردة .
ثم لحق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بسلمة بن الأكوع في المساء ، واستمر مجئ الإمداد من المدينة ، ولم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل ، حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد، فلما رآهم القوم فروا هاربين ، واستعاد المسلمون الإبل كلها ، كما ثبت في الصحيحين .
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على بعض أصحابه كما في صحيح مسلم، فقال: (خير فرساننا اليوم أبوقتادة ، وخير رجالتنا سلمة ) ، وأعطى سلمة سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، وأردفه وراءه على العضباء في الرجوع إلى المدينة ، وذلك لما امتاز به سلمة رضي الله عنه في هذه الغزوة .
ويستفاد من هذه الغزوة عدة دروس ، أبرزها : شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسرعة نجدته، ومبادرة الصحابة عند النداء للجهاد ، إضافة إلى تفانيهم في ذلك حتى إنّ بعضهم طارد أولئك المشركين على قدمه ، ومن الدروس إكرام الرسول لأصحاب الهمم العالية ، والتضحيات البارزة ، وكان ذلك قولاً وفعلاً ، ويؤخذ منها تأييد الرسول للتسابق بين أصحابه ؛ حيث طلب سلمة مسابقة أحد الأنصار في طريق عودتهم إلى المدينة فأجابه ، في مشهد جمع بين الشجاعة والقوة ، والمرح واللهوء البريء ، فرضي الله عن الصحابة أجمعين .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
دروس وعبر من غزوة خيبر

أدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في سبيل الله، لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية وغيرها .. فليست الأمة الإسلامية جمعا من الناس تعيش بلا غاية، كلا، فالمسلمون أصحاب عقيدة تحدد صلتهم بالله، وتوجه سيرهم في الحياة، وتنظم شئونهم في الداخل والخارج، وفي السلم والحرب ..

فغزا ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسع عشرة غزوة، ومن هذه الغزوات الهامة غزوة خيبر التي كان فيها عز ونصر المؤمنين، وذل وهوان اليهود، الذين عاندوا واستكبروا عن قبول دعوة الحق والدخول في دين الإسلام، وغدروا وخانوا ـ كعادتهم ـ، وكانت قلوبهم وصدورهم مليئة بأحقادهم ضد الإسلام والمسلمين منذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى أيامنا هذه .

لم يُظهر يهود خيبر العداء للمسلمين حتى نزل فيهم زعماء بني النضير ـ من اليهود ـ، الذي أثر في نفوسهم إجلاؤهم عن ديارهم، ولم يكن الإجلاء كافياً لكسر شوكتهم، فقد غادروا المدينة ومعهم النساء والأبناء والأموال ، وكان من أبرز زعماء بني النضير الذين نزلوا في خيبر سلاَّم بن أبي الحقيق وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، فلما نزلوا بخيبر دان لهم أهلها، وكان تزَّعُم هؤلاء ليهود خيبر كافياً في جرهم إلى الصراع مع المسلمين، فقد كان يدفعهم حقد دفين ورغبة قوية في العودة إلى ديارهم داخل المدينة ..

وقد تفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمن المسلمين، ولقد تضمنت سورة الفتح التي نزلت بعد الحديبية وعداً إلهياً بفتح خيبر وحيازة أموالها غنيمة، قال الله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا . وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا . وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا . وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } (سورة الفتح الآيات 18 : 21) .

سار الجيش الإسلامي إلى خيبر بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر، وشدة بأس رجالها وعتادها الحربي، وكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، فطلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفقوا بأنفسهم: قائلاً: ( أيها الناس تدعون سميعاً قريباً وهو معكم )( البخاري ).
وكان سيره - صلى الله عليه وسلم - بالجنود ليلاً، فقد قال سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه ـ : خرجنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم، لعامر : يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلا شاعرا، فنزل يحدو بالقوم، يقول :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اتقينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أبينا
وبالصياح عولوا علينا

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع ، قال: يرحمه الله ) ( البخاري )..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
ولما أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليل أمر الجيش بالنوم على مشارف خيبر، ثم استيقظوا مبكرين، وضربوا خيامهم ومعسكرهم بوادي الرجيع، وهو وادي يقع بين خيبر وغطفان، حتى يقطعوا المدد عن يهود خيبر من قبيلة غطفان وهذا من حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ خرج إلى خيبر فجاءها ليلا، وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم(آلات زراعية)، فلما رأوه قالوا محمد والله، محمد والخميس(الجيش) . فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )( البخاري ) ..
هرب اليهود إلى حصونهم وحاصرهم المسلمون، وأخذوا في فتح حصونهم واحداً تلو الآخر، وكان أول ما سقط من حصونهم ناعم والصعب بمنطقة النطاة، وأبى النزار بمطقة الشق، وكانت هاتان المنطقتان في الشمال الشرقي من خيبر، ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة، وهو حصن ابن أبي الحقيق، ثم أسقطوا حصني منطقة الوطيح والسلالم .
وقد واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون، منها حصن ناعم الذي استغرق فتحه عشرة أيام، واستشهد تحته محمود بن مسلمة الأنصاري، وقد حمل راية المسلمين عند حصاره أبو بكر الصديق ، ولم يفتح الله عليه، وعندما جهد الناس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه سيدفع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له، فطابت نفوس المسلمين، فلما صلى فجر اليوم الثالث دعا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ودفع إليه اللواء فحمله فتم فتح الحصن على يديه ..
وكان علي ـ رضي الله عنه ـ يشتكي من رمد في عينيه، فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عينيه ودعا له فبرئ، وأوصاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يدعو اليهود إلى الإسلام قبل أن يداهمهم، وقال له : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن تكون لك حُمْر النَّعَم ) ( مسلم ). وعندما سأله علي : يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) ( مسلم ).
وعندما حاصر المسلمون هذا الحصن برز لهم أحد أبطالهم وهومرحب، وكان سبباً في استشهاد عامر بن الأكوع ، ثم بارزه علي ـ رضي الله عنه ـ فقتله، مما أثر سلبياً في معنويات اليهود ومن ثم هزيمتهم . ثم توجه المسلمون إلى حصن الصَّعْب بن مُعاذ بعد فتح حصن ناعم، وأبلى حامل رايتهم الحباب بن المنذر بلاء حسناً حتى افتتحوه بعد ثلاثة أيام، ووجدوا فيه الكثير من الطعام والمتاع، بعد أن كانوا في ضائقة من قلة الطعام، ثم توجهوا بعده إلى حصن قلعة الزبير الذي اجتمع فيه الفارون من حصن ناعم والصعب وبقية ما فُتِح من حصون يهود، فحاصروه وقطعوا عنه مجرى الماء الذي يغذيه، فاضطروهم إلى النزول للقتال، فهزموهم بعد ثلاثة أيام، وبذلك تمت السيطرة على آخر حصون منطقة النَّطاة التي كان فيها أشد اليهود ..
ثم توجه المسلمون إلى حصون منطقة الشِّق فاقتحموها واحدا تلو الآخر، وفر بعض من فيها، وتجمعوا في حصن القَمُوص المنيع وحصن الوطيح وحصن السُّلاَلم، فحاصرهم المسلمون لمدة أربعة عشر يوماً حتى طلبوا الصلح . وسارع أهل فدك في شمال خيبر إلى طلب الصلح وأن يحقن دماءهم، وبذلوا له الأموال فوافق على طلبهم .. وبذلك تساقطت سائر الحصون اليهودية أمام قوات المسلمين ..
لقد أظهرت غزوة خيبر حقيقة ثابتة وهي أن اليهود على مر التاريخ والعصور ومنذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا مصدر خطر داهم على الإسلام والمسلمين، فهم قوم خيانة وغدر، وينقضون العهود والمواثيق، وبحقدهم وكفرهم قتلوا عددا من الأنبياء، وما زالوا إلى أيامنا هذه مصدر خطر كبير وشر مستطير ينبغي التنبه له ومواجهته ..
ومن أهم ما ينبغي أن نعتبره ونستفيد منه من غزوة خيبر جبن اليهود وضعفهم، وأن النصر من عند الله، كما قال الله تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(آل عمران: من الآية126)، فخيبر عبارة عن أرض واسعة ذات واحات خصبة يكثر فيها النخيل، وتضم حصونا منيعة لليهود، مقسمة إلى ثلاث مناطق قتالية محصنة تحصينا شديدا ..
ومع كل هذه القوة الظاهرة فقد كان اليهود جبناء أثناء المعارك، لا يحاربون إلا من داخل حصونهم ومن وراء الجدران، وصدق الله تعالى حين وصفهم بقوله: { لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } (الحشر:14)، وقد استشهد من المسلمين خلال فتح خيبر عشرون، في حين بلغ عدد قتلى اليهود ثلاثة وتسعين ـ مع قوة حصونهم ومقاتلتهم من خلفها ـ، في حين كان المسلمون يقاتلون في أرض مكشوفة بلا حواجز أو سواتر ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
ومما ينبغي أن يسترعي انتباهنا كذلك في غزوة خيبر ما حدث فيها من معجزات، أيد لله بها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وشهدت بصدقه فيما جاء به، وأكدت حفظ الله له ..
وقد ظهر ذلك في تفل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عين علي ـ رضي الله عنه ـ وقد كان يشتكي من رمد في عينيه فبرأت حتى كأنه لم يكن به وجع .. وكذلك في وحي الله إلى نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر الشاة المسمومة التي أهدتها إليه اليهودية وأرادت قتله ..
فعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه . قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: يشتكي من عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع .. ) ( البخاري )..
وذكر ابن هشام في سيرته: " أن زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم أهدت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إليه فقيل لها الذراع فأكثرت فيه من السم، ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيُخْبر.." ..
لقد أحدث فتح خيبر دويِّاً هائلاً في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، وقد أصيبت قريش بالغيظ إذ لم تكن تتوقع ذلك، وهي تعلم مدى حصانة قلاع يهود خيبر، وكثرة مقاتليهم ووفرة سلاحهم، أما القبائل العربية الأخرى المناصرة لقريش فقد أدهشها خبر هزيمة يهود خيبر وخذلها انتصار المسلمين الساحق، ولذلك فإنها جنحت إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، مما فتح الباب واسعاً لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق لهم من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي ..
تمر السنون والأعوام وتظل غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عامة ومع اليهود خاصة نبراسا وهاديا يضيء لنا الطريق في تعاملنا مع أعداء الأمس واليوم والغد من اليهود وغيرهم ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
الأعمال بالخواتيم دروس من غزوة خيبر

تفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمنهم، فسار الجيش الإسلامي بقيادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر بروح إيمانية عالية، على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر، وكثرة عتادها الحربي .. وكان المسلمون في سيرهم يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، فطلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرفقوا بأنفسهم قائلا لهم : (.. إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم )(البخاري) ..
علم يهود خيبر بمسير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم، فهربوا إلى حصونهم، وحاصرهم المسلمون داخلها، وأخذوا في فتحها واحدا تلو الآخر، بعد مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة، ونصر الله رسوله، وسقطت خيبر وحصونها بيد المسلمين، وبلغ عدد قتلى اليهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعين رجلا، واستشهد من المسلمين عشرون صحابيا ..
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى خيبر فجاءها ليلا، وكان إذا جاء قوما بليل لا يغير عليهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم(آلات زراعية)، فلما رأوه قالوا محمد والله، محمد والخميس (الجيش) . فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )(البخاري) ..
سجلت لنا غزوة خيبر مواقف ودروسا كثيرة، ينبغي الوقوف معها للاستضاءة بنورها، والاستفادة من عبرها ومعانيها، ومنها : الأعمال بالخواتيم ..
حسن الخاتمة وفضل الشهيد :
ذكر ابن القيم في زاد المعاد, وابن كثير وابن هشام في السيرة، والبيهقي في دلائل النبوة، والسيوطي في الخصائص الكبرى :
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة خيبر، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاؤا به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكلمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما شاء الله أن يكلمه به، فقال له الرجل: إني قد آمنت بك وبما جئتَ به، فكيف بالغنم يا رسول الله؟! فإنها أمانة، وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك؟، قال: أحصب وجوهها ترجع إلى أهلها، فأخذ قبضة من حصباء(حجارة صغيرة) أو تراب فرمى به وجوهها، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها، ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله، ولم يصل لله سجدة قَطْ (أبدا) ..
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أدخلوه الخباء(الخيمة)، فأدخل خباء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى إذا فرغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليه ثم خرج، فقال: لقد حَسُن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين ) ..
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رجلا أسود أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله، إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أُقْتل فأين أنا؟، قال : في الجنة .. فقاتل حتى قُتِل، فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك، وقال ـ لهذا أو لغيره ـ : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف تدخل بينه وبين جبته )(الحاكم) ..
الحور العين: نساء أهل الجنة ، جبته: ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
الأعمال بالخواتيم دروس من غزوة خيبر

بطل ـ لكنه إلى النار( نموذج لسوء الخاتمة ) ـ :
عن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل لا يدع لهم شاذَّة ولا فاذَّة (ما صغر وكبر) إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه( ألازمه ) .. قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه (طرفه الذي يضرب به) بين ثدييه ثم تحامل على نفسه فقتل نفسه ..
فخرج الرجل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أشهد أنك رسول الله، قال : وما ذاك؟ ، قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جُرِح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه .. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ذلك : إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها )(البخاري)..
الأعمال بالخواتيم درس علمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه والمسلمين من بعدهم، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )(البخاري) ..
وهذا ما ظهر بصورة واقعية في غزوة خيبر، فالناس في خواتيم حياتهم وأعمالهم بين عبد يُخْتم له بخير، وآخر يختم له بشر .. ومن ثم فعلى المسلم أن يدعو الله دائما بحسن الخاتمة، ويعمل بالأسباب التي توصل إليها، وأن يستعيذ بالله دائما من سوء الخاتمة، ويبتعد عن جميع الأسباب التي تؤدي لها ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الحديبية إلى تبوك
الشاة المسمومة

اليهود هم اليهود ، نقضة العهود ، وقتلة الأنبياء ، وفي كل زمان ومكان حالهم مع المسلمين حقد وحسد ، وغدر وإيذاء ، وهم ليسوا أصحاب حرب ، بل أهل دس ومؤامرة .. ومن ذلك أنهم لما رأوا نصر الله للمؤمنين في خيبر ، تآمروا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأهدوا إليه شاة مسمومة لمحاولة قتله ..

عن أبي هريرة - رضي الله عنه ـ قال : ( لما فُتِحت خيبر، أُهْدِيَت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادِقيَّ عنه؟، فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أبوكم؟، قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كذبتم بل أبوكم فلان، فقالوا : صدقت وبررت .
فقال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟، فقالوا : نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أهل النار؟، فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا .
ثم قال لهم : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟، قالوا : نعم، فقال : هل جعلتم في هذه الشاة سما؟، فقالوا: نعم، فقال : ما حملكم على ذلك؟، فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك )( البخاري ).

وفي السيرة النبوية لابن هشام قال : " .. فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل لها : الذراع فأكثرت فيها من السم، ثم سمَّت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ، ومعه بِشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال : ما حملكِ على ذلك ؟، قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلتُ : إن كان مَلِكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيُخْبر .. قال : فتجاوز عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومات بشر من أكلته التي أكل " ..

قال ابن القيم في زاد المعاد : " وجيء بالمرأة إلى رسول الله، فقالت : أردت قتلك، فقال : ما كان الله ليسلطك عليَّ، قالوا : ألا تقتلها؟، قال : لا، ولم يتعرض لها، ولم يعاقبها، واحتجم على الكاهل، وأمر من أكل منها فاحتجم، فمات بعضهم " ..
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تجاوز عنها أولا، فلما مات بِشر قتلها به قصاصا ..

وقد عفا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذه المرأة اليهودية التي حاولت قتله بالسم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا ينتقم لنفسه ، كما قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في وصفه : ( مَا خُيِّرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه في شيء قط ، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى )( البخاري ) .

لقد لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعدائه كثير الأذى، وعظيم الشدة والمكائد، منذ جهر بدعوته، ولكن الله تبارك وتعالى حفظه وعصمه من الناس، وقصة الشاة المسمومة صورة من صور حفظ الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، تنفيذا لوعده سبحانه : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(المائدة: من الآية67) ..
قال النووي في شرحه للحديث : " فيه بيان عصمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس كلهم، كما قال الله : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(المائدة: من الآية67)، وهي معجزة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سلامته مِن السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منه له، فقد جاء في غير مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إن الذراع تخبرني أنها مسمومة ) " .
وقال الحافظ ابن حجر : " .. وفي الحديث إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الغيب، وتكليم الجماد له، ومعاندة اليهود لاعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم، وبما وقع منهم من دسيسة السم، ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه .. " .

وظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاوده ألم السم حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرض موته الذي مات فيه : يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري (عرق متصل بالقلب) من ذلك السم )(البخاري) ..

لقد أظهرت قصة الشاة المسمومة حقيقة ثابتة، وهي أن اليهود هم اليهود ، على مر التاريخ والعصور، ومنذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا، دأبهم دائما الخيانة والغدر والتآمر، وهم مصدر خطر كبير وشر مستطير على الإسلام والمسلمين، ينبغي التنبه له ومواجهته .. فهل نتعلم من تاريخهم مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين ؟!، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }(قّ : 37) ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
أضف رد جديد

العودة إلى ”قطاف إسلامية“