السيرة النبويــة العطــرة

يشمل المواضيع والمشاركات الاسلامية

المشرف: بانه

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من الهجرة إلى بدر
الحب في الله : فالمؤاخاة على الحب في الله من أقوى الدعائم في بناء الأمة الإسلامية، ولذلك حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تعميق هذا المعنى في المجتمع المسلم الجديد، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )( مسلم ) . فبالحب في الله أصبحت المؤاخاة عقدا نافذا لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، لا كلمة تنطق بها الألسنة، ومن ثم كانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثلة.

النصيحة بين المتآخين في الله : فقد كان للمؤاخاة أثر في التناصح بين المسلمين،فعن أبي جحيفة عن أبيه قال: ( آخى النبي - صلى الله عليه وسلم – بين سلمان وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة(قبل نزول الحجاب) فقال لها : ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له : كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق سلمان ) ( البخاري ) .


القضاء على الفوارق الجاهلية : كفوارق النسب والقبيلة والجاه وغير ذلك مما كان سائدا في تلك المجتمعات، حيث سادت العصبية وكانت دينا عندهم، فكان من أهداف المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إذابة هذه الفوارق، لأنها أمراض وآفات تضعف المجتمع، وتحول بينه وبين القوة والتمكين، لأنه من الصعب بل من المستحيل أن تستأنف حياة إسلامية عزيزة قوية إذا لم يحدث التآخي بين أفراد المجتمعات والأمة الإسلامية، ومن ثم كانت المؤاخاة نعمة من نعم الله، ومن أسباب القوة والعزة والثبات أمام الأعداء، قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(آل عمران:103) ..


لقد ساهمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في تقوية المجتمع المسلم الجديد في المدينة، وبتحقيقها ذابت العصبية وحظوظ النفس، فلا ولاء إلا لله ورسوله والمؤمنين، وأشاعت في المجتمع عواطف ومشاعر الحب، وملأته بأروع الأمثلة من الأخوة والعطاء والتناصح والإيثار، وجعلته جسدا واحدا في السراء والضراء، والآلام والآمال، ومن هنا كانت حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جعل أول عمل يقوم به حين مقدمه المدينة، ـ بعد بناء المسجد ـ تأسيسه للمجتمع على المؤاخاة، والتي كانت حلا لكثير من المشاكل، وأهلت المسلمين ليكونوا أقوى أمة على الأرض.. فما أحوجنا اليوم إلى التحقق بهذه المؤاخاة ، للصمود في وجه الأعداء، ومواجهة التحديات التي تواجه أمتنا في هذه الأيام . .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
غزوة ذي قَرَد ( الغابة )

من أكبر الغزوات التأديبية التي قادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ضد أعراب نجد بعد غزوة الأحزاب وبني قريظة وقبل غزوة خيبر ، وقد سميت بغزوة ذي قَرد لأن الماء الذي نزل به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقال له : ذو قرد .. وتسمى كذلك بغزوة الغابة ، إشارةً إلى موضعٍ قرب المدينة من ناحية الشام فيه شجر كثير ، وهو المكان الذي أغار فيه المشركون على إبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي ترعى فيه ..

لم تكد تمضي ليال قلائل على عودة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته لبني لحيان ، حتى أغار عيينة بن حصن الفزاري في جماعة من قومه غطفان على لقاح (إبل ذوات لبن) للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت ترعى ، وقتلوا رجلا وأسروا امرأة من المسلمين ..
وعندما سمع سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ ما حدث ، صاح منذرا الناس ، وظل بمفرده يطارد المغيرين ، وكان ـ رضي الله عنه ـ أسرع الناس عدواً ، حتى أدركهم على رجليه ، وجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول :

خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع (هلاك اللئام)

ثم توالت سهامه عليهم وهو يطاردهم وحده ، حتى ألقوا بالكثير من متاعهم التي أثقلتهم عن الهروب ، وكانوا كلما ألقوا شيئا وضع عليه علامة كي يعرفها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه .. واستمر على ذلك حتى استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بُرْدة (كساء) وثلاثين رمحا ..

لحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه من الصحابة بسلمة بن الأكوع بذي قرد ، واستعادوا الإبل كلها بعدما قتلوا من المشركين الكثير ، ثم عاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة وقد أردف خلفه على ناقته سلمة ـ رضي الله عنه ـ ، وأعطاه سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، وأثنى عليه قائلا : ( خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة ) رواه مسلم .

أما المرأة التي أسرها المغيرون من غطفان ، فقد عادت سالمة إلى المدينة بعد أن تمكنت من الإفلات من القوم على ظهر ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد نذرت إن نجاها الله لتنحرن تلك الناقة ، فلما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذرها تبسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( بئسما جزيتها ، أن حملك الله عليها ونجاك ثم تنحرينها ، إنه لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله ) رواه أحمد .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وفي أثناء رجوع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه إلى المدينة حدثت مسابقة في العَدْوِ بين سلمة ـ رضي الله عنه ـ ورجل من الأنصار ، يقول سلمة ـ رضي الله عنه ـ : ( .. وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شداً ، قال : فجعل يقول : ألا مُسابق إلى المدينة ، هل من مسابق ؟ ، فجعل يُعيد ذلك ، قال : فلما سمعت كلامه قلتُ : أما تكرمُ كريماً ولا تهاب شريفاً ، قال : لا ، إلا أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأُمي ذرني فلأسابق الرجل ، قال : إن شئت ، قال : قلت : اذهب إليك وثنيتُ رجلي فطفرت فعدوت .. فسبقته إلى المدينة ) رواه مسلم .
لقد كانت غزوة الغابة (ذي قرد) من أكبر الغزوات التأديبية التي قادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ضد أعراب نجد ، وفي مطاردتهم وإيقافهم عند حدهم ، لنشر الأمن والسلام في الدولة الإسلامية وما حولها ، وتأديب المعتدين .. وهذه الغزوة ـ رغم صغرها عسكريا إلا أن فيها ـ كبقية الغزوات والسرايا ـ من الفوائد الكثير، منها :
شجاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومبادرة الصحابة عند النداء للجهاد وشجاعتهم ، خاصة سلمة بن الاكوع ـ رضي الله عنه ـ الذي قاوم بمفرده جَمْعا من الكفار وأرهبهم ، واستنقذ منهم ما سرقوه من إبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بل وأخذ منهم بعض الغنائم ، ومن ثم كرمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معنويا وماديا ، فأثنى عليه ، وأعطاه سهمين من الغنائم ، وحمله خلفه على ناقته حتى عاد إلى المدينة ، وفي ذلك فائدة هامة وإشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتكريم أصحاب الهمم العالية ..
قال ابن حجر في حديثه عن بعض فوائد هذه الغزوة : " .. جواز العَدْو الشديد في الغزو ، والإنذار بالصياح العالي ، وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه ، واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة ـ لا سيما عند الصنع الجميل ـ ليستزيد من ذلك ، ومحله حيث يؤمن الافتتان ، وفيه المسابقة على الأقدام ، ولا خلاف في جوازه بغير عِوَض ، وأما بالعِوَض فالصحيح لا يصح .." ..
وكذلك من فوائدها : بطلان نذر المعصية ، أو النذر فيما لا يملكه الإنسان ، وحلم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسماحته في تبسمه حينما نهى المرأة أن تنحر ناقته التي نجاها الله عليها ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
زيد ولغة اليهود

كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصا على أن يتعلم المسلمون اللغات المختلفة ، من أجل التواصل مع الآخرين لدعوتهم إلى الإسلام وأمْن شرِّهم ، ولذلك أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ، كما يقرأ عليه كتبهم إذا وردت إليه ، ويوضح للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرادهم .
وفي السنة الرابعة من الهجرة تعلم زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ لغة اليهود كما أمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعن خارجة بن زيد بن ثابت قال : قال زيد بن ثابت : ( أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعلمت له كتاب يهود ، وقال : إني والله ما آمن يهود على كتابي ، فتعلمته ، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته ، فكنت أكتب له إذا كتب ، وأقرأ له إذا كُتِب إليه )(أبو داود) .
إن تعلم زيد ـ رضي الله عنه ـ لغة اليهود في نصف شهر ، يدل على ذكاء مفرط ، وقوة حافظة ، فقد كان ـ رضي الله عنه ـ ممن حفظ القرآن كله على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن أشهر كتاب الوحي بين يديه ، وهو الذي تولى كتابة القرآن في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ .
وأمْرُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ لزيد بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحث المسلم على تعلم لغة الغير وكتابتهم ، والتعرف على علومهم ومعارفهم إذا دعت لذلك ضرورة وكان لخدمة الإسلام ونصرة قضاياه ، ومن ذلك أيضا يتضح جسامة مهمة الترجمان في الدولة الإسلامية ، فهو الذي يطلع على أسرار الدولة ومراسلاتها ، ولا يصلح أن يطلع كل إنسان على تلك الكتب الصادرة والواردة ، لئلا تختل الدولة وتكشف أسرارها ، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ بتعلم لغة اليهود . ومن المعلوم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طلب من زيد أن يتعلم لغة اليهود بعد أن حذق اللغة العربية ، وحفظ من القرآن الكريم ما حفظ .
ومن فوائد أمْرِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لزيد بتعلم لغة اليهود : أن كل ميدان من الميادين الدعوية النافعة للإسلام لابد أن يكون في هذه الأمة من يتولاه .
ولا شك أن دعوة الناس بلغتهم التي يعرفونها سبيل لا بد منه ، ولا سيما مع كثرة المجتمعات واختلاف اللغات ، وتمسك كل مجتمع بلغته . فدعوة الذين لا يدينون بالإسلام ولا يعرفون اللغة العربية لابد أن تكون بلغتهم ، وكيف يمكن إخراجهم من الكفر إلى الإيمان ، ومن الظلمات إلى النور ، وهم لا يعرفون لغة القرآن الكريم ومعانيه ، وخصائص دين الإسلام؟! .. ومن ثم فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما غزوا بلاد العجم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين . ولما فتحوا البلاد الأعجمية دعوا الناس إلى الإسلام باللغة العربية ، وأمروا الناس بتعلمها ، ومن جهلها منهم دعوه بلغته ، وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها ، فقامت بذلك الحجة ، وانقطعت المعذرة .
وفي ذلك أيضا دليل على جواز تعلم لغات الكفار إذا كانت هناك حاجة لِتعلمها ، أما ما يُشاهَد من افتتان بعض المسلمين بِتعلم لغات الكفار لا لشيء إلا لمجرد التفاخر والتباهي بها ـ وربما كان على حِساب لغة القرآن ـ ولا شك أن هذه من الضعف والانهزامية ، وعلى هذا يُحْمل كراهة السلف وأهل العلم لِتعلم لُغات الكفار والتحدث بألسنتهم مِن غير حاجة ، قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : " لاتَعَلَّمُوا رَطانة الأعاجم .. " .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
دروس من سرية دومة الْجَنْدَلِ

توجهت هذه السرية إلى أبعد مدى وصلت إليه الجيوش النبوية في الجزيرة العربية ، فدومة الجندل ـ التي سميت السرية باسمها ـ قريبة من حدود الشام ، وهذه السرية تدخل ضمن مخطط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مواصلته للدعوة إلى الله وإبلاغ رسالته إلى الناس كافة ..

وكانت مهمة هذه السرية ذات شقين : مهمة دعوية ومهمة حربية ، لذلك كان أميرها عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ الذي تربى على الإسلام من أول ظهوره ، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ، ومن الرعيل الأول ، وأحد الدعائم الكبرى للدعوة الإسلامية منذ دخوله فيها على يد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه ـ ..

وعن هذه السرية حدثنا عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : " دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الرحمن بن عوف فقال : ( تجَّهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا، أو من غد إن شاء الله ).. قال ابن عمر : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع النبي الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف .. قال : فغدوت فصليت فإذا أبو بكر وعمر وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، وإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن : ( ما خلفك عن أصحابك ؟! ) ، قال ابن عمر : وقد مضى أصحابه في السَحَر فهم معسكرون بالجرف وكانوا سبعمائة رجل ، فقال : أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك ، وعليَّ ثياب سفري .. قال : وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفها على رأسه ..

قال ابن عمر : فدعاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده ، ثم عممه بعمامة سوداء فأرخى بين كتفيه منها ، ثم قال : ( هكذا فاعتم يا ابن عوف ) ، قال : وعلى ابن عوف السيف متوشحه ، ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اغزُ باسم الله ، وفي سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا ) .

قال : فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه فسار حتى قدم دومة الجندل ، فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام فمكث بها ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام ، وقد كانوا أبوا أول ما قدم أن يعطوه إلا السيف ، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي ، وكان نصرانيا وكان رأسهم ، فكتب عبد الرحمن إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبره بذلك وبعث رجلا من جهينة يقال له : رافع بن مكيث ، وكتب يخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قد أراد أن يتزوج فيهم ، فكتب إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتزوج بنت الأصبغ تماضر ، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها ، ثم أقبل بها ، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف " .

وذكر الواقدي وابن سعد أن هذه السرية كانت في شعبان سنة ست من الهجرة .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وقد ظهر في هذه السرية حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه، وشفقته عليهم ، وتواضعه معهم ، حيث ألبس عبد الرحمن بن عوف عمامته بيده ، وهذا الحب والتواضع منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرفع من معنويات أصحابه وجنده ، ويدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد في سبيل خدمة هذا الدين ، لأن التلاحم والمودة بين القائد وجنوده ، من أهم عوامل نجاح الدعوة والعمل وتحقيق الأهداف .

كما ظهرت حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في توجيهه لعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ للزواج من ابنة سيد بني كلب زعيم دومة الجندل ـ ، وقويت الروابط بين أهل دومة الجندل وبين دولة الإسلام في المدينة بسبب هذه المصاهرة .

ومن الحِكًم والدروس الهامة من هذه السرية المباركة إعلان لمباديء الإسلام السامية في الجهاد والقتال ضد أعدائه ، فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا جهز جيشاً أو سرية ، أمَّر عليهم أميراً وأمره بدعوة الناس إلى الله والدخول في الإسلام ، فإن أبَوْا ذلك ، دعاهم إلى الخضوع العام لنظام الإسلام وأحكامه وأداء الجزية ، فإن أبوا ، قوتلوا .

ورغم كون الجهاد والقتال عملية تزهق فيها الأرواح وتجرح الأبدان ، ويقصد فيها إلحاق أنواع الأذى بالأعداء ، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرع لأمته آدابا يتحلون بها في جهادهم وحروبهم مع أعدائهم ، ومن ثم أوصى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الرحمن بن عوف قائلا : ( اغزُ باسم الله ، وفي سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا ).

ومن وصايا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاديثه في ذلك :

حديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا و لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا )(مسلم) ..
وعن أبي موسى ـ رضي لله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا )(مسلم) ..

لقد كانت وستظل سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مر العصور يؤخذ منها الدروس والعبر في السلم والحرب وفي الحياة كلها ، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) .

.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
إسلام عدي بن حاتم

كان عدي بن حاتم نصرانيا ، وهو ابن حاتم الطائي المشهور بالكرم ، وكان شريفا في قومه ، فلما سمع برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كره دعوته ، وترك قومه ولحق بنصارى الشام ، فكره مكانه الجديد أكثر من كراهته لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال في نفسه : لو أتيته فإن كان ملِكا أو كاذبا لم يَخْف عليَّ .

ويحدثنا أبو عبيدة بن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ عن قصة إسلام عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ فيقول : ( كنت أسأل عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي لا آتيه فأسأله ، فأتيته فسألته فقال : بُعِث رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حيث بعث فكرهته أكثر ما كرهت شيئا قط ، فانطلقت حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم ، فقلت : لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يخف عليَّ ، وإن كان صادقا اتبعته . فأقبلت فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس وقالوا : جاء عدي بن حاتم ، جاء عدي بن حاتم ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لي : يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ، قال : قلت : إن لي دينا ، قال: أنا أعلم بدينك منك - مرتين أو ثلاثا - ألست ترأس قومك ؟ ، قال : قلت : بلى ، قال : ألست تأكل المِرْبَاع (ربع غنائم الحرب) ، قال : قلت : بلى ، قال : فإن ذلك لا يحل لك في دينك ، قال : فتضعضعت لذلك ، ثم قال : يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ، فإني قد أظن - أو قد أرى أو كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة (حاجة وفقر) تراها من حولي ، وتوشك الظعينة (المرأة على البعير في الهودج) أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز ، وليفيضن المال - أو ليفيض - حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة .
قال عدي بن حاتم : فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز ، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة ، إنه لقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لي ) رواه ابن حبان .

وفي السيرة النبوية لابن هشام يقول عدي : " فخرجت حتى أقدم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ، فدخلت عليه ، وهو في مسجده ، فسلمت عليه ، فقال : من الرجل ؟ ، فقلت : عدي بن حاتم ، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها ، قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بملك ، قال: ثم مضى بي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم (جلد) محشوة ليفا فقذفها إليَّ ، فقال : اجلس على هذه ، قال : قلت : بل أنت فاجلس عليها ، فقال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بالأرض ، قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك " .

لقد أظهرت قصة إسلام عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ خلقا من أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو التواضع ، والذي كان من أسباب إسلام عدي ـ رضي الله عنه ـ ، فحينما أقبل عدي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحمل في تصوره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحد رجلين إما نبي أو ملِك ، فلما رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توقفه امرأة كبيرة ضعيفة مدة طويلة ، تكلمه في حاجة لها ، قال عدي في نفسه : " والله ما هذا بملك " ، ثم رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجلس أمامه على الأرض ، وبيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ينطق بشيء من مظاهر الملك والغنى ، حينئذ شعر عدي بخلق التواضع عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فانسلخ من ذهنه عامل الملك ، واستقر في تصوره عامل النبوة ، وهذا درس لكل من يدعو إلى الله أن يتصف ويتحلى بخلق التواضع .

فالتواضع ، وخفض الجناح ، ولين الجانب ، كانت أوصافا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تخلَّق بها مع الكبير والصغير ، والقريب والبعيد ، ولا يملك من يقرأ سيرته ، ويطلع على أخلاقه إلا أن يمتلئ قلبه بمحبته ، فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين ، وأخبار تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، وسيرته العطرة مليئة بها ، وما حفظ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه تكبر على أحد ، أو فاخر بنفسه أو مكانته.

كذلك أظهر إسلام عدي ـ رضي الله عنه ـ حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، حيث بين له ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه على علم بدينه ـ الباطل ـ الذي كان يعتنقه ، وبمخالفته له ، ومن ثم حصل لعدي اليقين بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يعلم من دينه ما لا يعلمه الناس من حوله . ولما ظهر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن عدياً قد أيقن بنبوته تحدث عن العوائق التي تحول بين بعض الناس واتباع الحق ـ حتى مع معرفتهم بأنه حق ـ ، ومنها ضعف المسلمين وعدم اتساع دولتهم ، وما هم فيه من الفقر ، فطمأنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الأمن سيشمل البلاد حتى تخرج المرأة من العراق إلى مكة من غير أن تحتاج إلى حماية أحد ، وأن دولة الفرس ستقع تحت سلطان المسلمين ، وأن المال سيفيض حتى لا يقبله أحد، فلما زالت عن عدي هذه المعوقات أسلم .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
لقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - حكيما في دعوته ، خبيراً بأدواء النفوس ودوائها ، فكان يدعو كل إنسان بما يلائم علمه وفكره ومشاعره ، ومن ثم وجد عدي سمات النبوة في الحكمة الباهرة في حديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما وجدها في تواضعه .

وكما وجد عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ سمات النبوة الصادقة في مظهر معيشته - صلى الله عليه وسلم ـ، وتواضعه وحديثه وحكمته ، وجد مصداق ذلك كله فيما بعد ، في وقائع الزمن والتاريخ ، فكان ذلك سببا في زيادة يقينه ، فقد تحقق أمام عينيه ما بشره به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أمور غيبية حدثت بعد وفاته في المستقبل ، وهذه إحدى معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

قال عدي بن حاتم : " فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز ، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة ، إنه لقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لي " .

قال البيهقي : قد وقعت الثالثة في زمن عمر بن عبد العزيز ، ثم أخرج عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال : إنما ولِيَ عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفاً ، والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء ، فما يبرح حتى يرجع بماله ، نتذكر من يضعه فيهم فلا نجد فيرجع بماله ." .

إن قصة إسلام عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ دليل من دلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتجسيد واضح لتواضع وحكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والتي ينبغي أن يقتدي بهما المسلم في حياته ودعوته .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وقفة مع شهداء أحُد

من فوائد وحكم غزوة أحد ـمع ما فيها من آلامـ إكرام الله بعض الصحابة بالشهادة في سبيله، التي هي من أعلى المراتب والدرجات، فأراد الله عز وجل أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في سبيله، ويؤثرون محبته ورضاه على نفوسهم، وفيهم نزل قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169).

ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء غزوة أحد يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيرا من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم، منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وسعد بن الربيع، والأصيرم، وأنس بن النضر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. فلما رآهم صلى الله عليه وسلم، قال: (أشهد على هؤلاء، ما من مجروح جرح في الله عز وجل إلا بعثه الله يوم القيامة، وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك ، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن، فقدموه أمامهم في القبر) رواه أحمد.

وقال جابر بن عبد الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد -شق في جانب القبر- وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا) رواه البخاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صُرِعوا، وأعيد من أُخِذ ليدفن داخل المدينة.

وقد ارتكب المشركون في هذه الغزوة صورا من الوحشية، حيث قاموا بالتمثيل (التشويه) في قتلى المسلمين، فبقروا بطون كثير من القتلى، وجدعوا أنوفهم، وقطعوا آذانهم، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب وقد مُثل به فحزن حزنا شديدا، وقد توعد المسلمون المشركين بالانتقام منهم ، والتمثيل بهم كما فعلوا بأصحابهم، فنزل قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (النحل:126).

قال ابن كثير: "وقال الشعبي وابن جُرَيْج: نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم: "لنمثلن بهم"، فأنزل الله فيهم ذلك".

فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستجابوا لتوجيه الله عز وجل لهم، ونهى صلى الله عليه وسلم عن المُثلة، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) رواه أبو داود.

وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد دفن الشهداء، فقال: (استووا حتى أثني على ربي عز وجل)، فصاروا خلفه صفوفًا فقال: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت ، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك ، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق) رواه أحمد.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع شهداء أحد فوائد وحِكم كثيرة، منها:
توضيح لعلو منزلة حامل القرآن وشرفه ، إذ كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد)، فكان الذي يدخل في الإسلام أول ما يتعلمه القرآن، والوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تتعلم القرآن وتأخذ معها ما تستطيعه منه، وكان مقياس الرجال ومعرفة أقدارهم تبدأ بمدى معرفتهم وحفظهم للقرآن الكريم.
ومنها: بيان النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وللأمة من بعدهم أهمية الدعاء، فالدعاء مطلوب في ساعة النصر والهزيمة، والعافية والبلاء، وهو من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ويجعل المسلمين متعلقين بخالقهم، في السراء والضراء، وفيما يحبون وما يكرهون، وفي حال نصرهم أو نصر أعدائهم عليهم، ومن ثم يُنزل الله عليهم السكينة والثبات، وترتفع المعنويات نحو المعالي، فترضى وتطمئن بقدر الله، وتتطلع إلى ما عند الله تعالى من النصر والثواب. فالنصر بيد الله عز وجل, يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء، مثله مثل الرزق والأجل، وحين يُقدر الله تعالى النصر، فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه، وحين يقدر الهزيمة، فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة, قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160).
ومن هذه الفوائد والحكم ما ذكره ابن القيم في كتابه "زاد المعاد": "أن السُّنَّةَ في الشهيدِ أنه لا يُغَسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُكَفَّن في غير ثيابه، بل يُدفَن فيها بدمه وكُلومه (جراحه)، إلا أن يُسْلَبَهَا، فيكفَّنَ في غيرها.
ومنها: أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم، ولا ينقلوا إلى مكان آخر، فإن قوماً من الصحابة نقلوا قتلاهم إلى المدينة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم. قال جابر: "بينا أنا في النظارة (القاعدون عن القتال ينتظرون)، إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح (شددتهما على جنبي بعير كالنصفين)، فدخلت بهما المدينة، لندفنهما في مقابرنا، وجاء رجل ينادى: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى، فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت.
ومنها : جواز دفن الرجلين أو الثلاثة في القبر الواحد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر، ويقول: ( أيهم أكثر أخذاً للقرآن، فإذا أشاروا إلى رجل، قدمه في اللحد).
ومنها: أن شهيد المعركة لا يُصَّلَّى عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أُحد، ولم يُعْرَف عنه أنه صلى على أحد ممن استشهد معه في مغازيه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، ونوابهم من بعدهم.
ومنها: أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء، تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو".
لقد كان في موقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء غزوة أُحد مع الشهداء من الفوائد والدروس الكثير، التي ينبغي الوقوف معها للاستفادة منها، والاستضاءة بنورها في واقعنا.
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
شهر شوال في السيرة النبوية

شوال هو الشهر العاشر من الشهور القمرية، وهو الذي يأتي بعد شهر رمضان، وكانت العرب تتشاءم من الزواج فيه، وقد كان هذا الشهر سجلا لأحداث وغزوات هامّة في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ففيه وقعت غزوة أحد في السّنة الثّالثة للهجرة، وغزوة الخندق (الأحزاب) في السّنة الخامسة، وغزوة حنين في السّنة الثّامنة، إلى غير ذلك من أحداثٍ كان لها أثر كبير في تاريخ الإسلام والمسلمين .

سرية رابغ سنة ( 1 هـ ) :

كانت في شوال من السنة الأولى للهجرة، بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وكان عدد المسلمين فيها نحو ستين رجلا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري، فالتقوا بأبي سفيان على بطن رابغ، وكان معه من الأعداء مائتي راكب وراجل، وترامى الفريقان بالنبل، وكان سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله في هذه السرية، وانفضّ الفريقان بعد ذلك من غير قتال، وكانت أول مواجهة عسكرية يلتقي فيها المسلمون مع أعدائهم، وكان من أهدافها ممارسة الضغط النفسي على قريش .

إجلاء يهود بني قينقاع سنة ( 2 هـ ) :

في منتصف شهر شوّال من السنة الثانية للهجرة انطلق المسلمون متوجهين إلى حصون بني قينقاع، وعند الوصول ضرب عليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حصاراً محكماً قطع عنهم كل الإمدادات، واستمرّ ذلك الحصار خمسة عشر يوماً، حتى أعلن اليهود استسلامهم ونزولهم على حكم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

غزوة أحد سنة ( 3 هـ ) :

في شوال من السنة الثالثة من الهجرة، خرجت قريش بكل ما تقدر عليه من عدة وعتاد، ورجال ونساء، بلغوا ثلاثة آلاف مقاتل لقتال المسلمين والثأر منهم، فلما علم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك أعلن الجهاد، ووعد المؤمنين بنصر الله وثوابه، وما أعده الله للشهداء، واستشار أصحابه في الخروج للقتال خارج المدينة أو البقاء فيها، فأشار كثير من الصحابة بالخروج للقتال ، فوافقهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، مع أن رأيه كان خلاف ذلك .
وغزوة أحد كانت معركة اجتمع فيها النصر والهزيمة، ومع ما فيها من آلام وجراح وشهداء ، إلا أن دروسها لا تزال باقية على مر العصور، يتعلم منها المسلمون أسباب النصر والهزيمة، وآثار التطلع إلى الدنيا .

غزوة الخندق سنة ( 5 هـ ) :

في شوال من السنة الخامسة للهجرة خرج وفد من زعماء اليهود نحو كفار مكة، ليحرضوهم على غزو المدينة، ومحاولة القضاء على الإسلام والمسلمين، فتعاهدوا معهم على ذلك .. ثم خرج ذلك الوفد يحمل الحقد والكراهية للمسلمين نحو غطفان ليكتمل عقد الأحزاب ، وتداعت الجموع، فخرجت من الجنوب قريش وكنانة وأهل تهامة وبنو سليم، وخرجت من الشرق قبائل غطفان، وكذلك خرجت بنو أسد، واتجهت الأحزاب الكافرة نحو المدينة حتى تجمع حولها جيش كبير يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان، والمسلمون في حال شديدة من جوع شديد، وبرد قارص، وعدد قليل، وأعداء كُثر، ولقد وصف الله تعالى هذا الموقف بقوله: { إ ِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً }(الأحزاب 11:10).
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
ولما سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزحف الأحزاب إلى المدينة، وعزمها على حرب المسلمين، استشار أصحابه، وقرروا بعد الشورى التحصن في المدينة والدفاع عنها، وأشار سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ اعتمادا علي خبرته في حرب الفرس بحفر خندق حول المدينة، فوافقه وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر بحفر الخندق حول المدينة . وحينما اشتد الكرب علي المسلمين، دعا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي الأحزاب فاستجاب الله عز وجل لنبيه ـ صلي الله عليه وسلم ـ، فهبت وأقبلت بشائر الفرج والنصر، ورجعت قريش والأحزاب خائبين منهزمين، وانفك الحصار، وعاد الأمن، وثبت المؤمنون، وانتصر الإيمان.. وكانت غزوة الأحزاب غزوة فاصلة في حياة الأمة الإسلامية، حتى قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدها : ( الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم ) رواه البخاري .
غزوة حنين في شوال سنة ( 8 هـ ) :
وافقت أحداث هذه الغزوة السابع من شهر شوال، من السنة الثامنة من هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ودارت رحاها في وادي حنين، وهو وادٍ إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة سبعة وعشرون كيلو مترًا تقريبًا، من جهة عرفات، وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثني عشر ألفًا، عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة، وكانت غزوة حنين آخر غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمشركي العرب، وقد سُجلت هذه الغزوة في القرآن الكريم لكي تبقى للمسلمين في كل زمان ومكان يتعلمون منها الدروس والعبر .
غزوة الطائف‏‏ شوال ( 8 هـ ) :
بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شوال عام ( 8 هـ ) قاصداً الطائف يريد فتحها، وانتدب لتلك المهمة خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ حيث جعله على مقدمة الجيش، وطلب منه أن يسير أولاً لمحاصرتها، وهذه الغزوة في الحقيقة امتداد لغزوة حنين، وذلك أن معظم فلول هَوَازن وثَقِيف دخلوا الطائف وتحصنوا بها .
زواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعائشة ـ رضي الله عنها ـ :
عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنها ـ : تزوجها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، وبني بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في المدينة، وهي بنت تسع سنين، وكانت بكراً ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أحب الخلق إليه، وأفقه نساء الأمة، وأعلمهن على الإطلاق، فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .
شوال بين الجاهلية والإسلام :
كان العرب في الجاهلية يتشاءمون بشهر شوَّال، فكانوا لا يتزوجون فيه زعمًا منهم أنَّ الزَّواج فيه لا يفلح، وقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التشاؤم، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة ) رواه مسلم .
وقد تزوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعائشة ـ رضي الله عنها ـ في شهر شوال .
وبوَّب الإمام مسلم في صحيحه : ( باب استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه ) ثم روى حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوَّال، فأي نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عنده منِّي؟، قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوَّال ) رواه مسلم .
قال النووي : " فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك " .
وقد سن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شهر شوال صيام ستة أيام ، فقال - صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ثمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال كان كصيام الدّهر ) رواه مسلم .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
ليُخْرِجنَّ الأعز منها الأذل

كانت جذور النفاق عميقة في نفس عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، وبدايتها قبل هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يوم كانت المدينة تعيش صراعا وقتالاً شرساً بين الأوس والخزرج ، وانتهى الصراع بينهما على اتفاق بين الفريقين يقضي بنبذ الخلاف وتنصيب ابن سلول زعيماً على المدينة ، ثم ماتت هذه الفكرة بدخول الإسلام إلى أرض المدينة ، واجتماع الناس حول راية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فصارت نظرة ابن سلول للإسلام تقوم على أساس أنه قد حرمه من الملك والسلطان ، وبذلك كانت مصالحه وأهواؤه الشخصية وراء نفاقه ، وامتناعه عن الصدق في إسلامه ، ومن ثم الكيد للإسلام والمسلمين .
انطلق ابن سلول ينفث سمومه في صنع الافتراءات والخلافات ، وإثارة الفتن للتفريق بين المسلمين للقضاء على دولة الإسلام ، ومن ذلك قولته الخبيثة التي قالها عقب غزوة بني المصطلق (المريسيع) ـ والتي تعبر عن مدى حقده على الإسلام والمسلمين ـ : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " ، ويعني بالأعز نفسه ، ويقصد بالأذل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه من أصحابه .
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( كنا في غزاة (بني المصطلق) فكسع (ضرب) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذاك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ما بال دعوى جاهلية ؟ ، قالوا يا رسول الله : كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال دعوها فإنها منتنة ، فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها ؟ ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم -، فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: دَعْه ، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) رواه البخاري .
واستدعى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن أبي بن سلول هو وأصحابه ـ المنافقين ـ ، فأنكروا ذلك ، وحلفوا بأنهم لم يقولوا شيئا ، فأنزل الله سورة المنافقين ، وفيها تكذيب لهم ولأيْمانهم الكاذبة ، وذلك في قول الله تعالى :{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ . يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ }(المنافقون8:7 ) .
وكان لعبد الله بن أبي بن سلول ولد مؤمن اسمه عبد الله ، لما علم بالأحداث وبما قاله أبوه استأذن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قتل أبيه لما قاله ، فنهاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك ، وأمره بحسن صحبته .
فلما وصل المسلمون مشارف المدينة ، تصدى عبد الله لأبيه ، وقال له : " قف والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدخول ، فإنه العزيز وأنت الذليل"، فأذن له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فظهر بذلك مَنِ العزيز ومَنِ الذليل ، فلا أذل لابن سلول من أن يقف ولده أمامه ويمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
ولقد ضرب عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ـ رضي الله عنه ـ بهذا الموقف مثالا عمليا للإيمان في أوثق عراه ، وهو الولاء والبراء .
ومن خلال هذا الموقف مع قولة ابن سلول ظهرت لنا حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قابل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قاله ابن سلول بالصبر ، وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل النبيين ، لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يغضب لنفسه أو ينتقم لها ، بل يغضب لله ـ عز وجل ـ ، فلو أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أذن لعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول بقتله لقتله ، لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ صبر وعفا ، ولما استأذنه عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في أن يقتل أباه لما قاله ، قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا ، ولكن بر أباك، وأحسن صحبته ) رواه ابن حبان .
وفي ذلك أيضا تأكيد من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مراعاة البر بالآباء وحسن صحبتهم في الدنيا وإن كانوا كافرين، عملا بقول الله تعالى : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }(لقمان:15)..
وكذلك ظهر في هذا الموقف حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في محافظته على وحدة الصف الداخلية للمجتمع المسلم ، وعلى السمعة الطيبة للإسلام والمسلمين ، وحتى لا يُشاع بين العرب أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقتل أصحابه ، فينفض الناس من حوله ، وينفرون من دخول الإسلام ، ففرْق كبير بين أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ، وبين أن يتحدث الناس عن حب أصحاب محمد محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وفي ذلك يقول ابن تيمية : " إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة ، لئلا يكون ذريعة إلى قول الناس أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقتل أصحابه ، لأن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه ، وممن لم يدخل فيه " .
وهكذا كان رد فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قولة ابن سلول ـ مع مرارتها وألمها ـ فيه من المعاني الكثير ، التي ينبغي أن يقف المسلمون معها للاستفادة منها في واقعهم .

.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
حفر الخندق ـ آلام وآمال ـ

في السنة الخامسة للهجرة خرج وفد من زعماء اليهود نحو مكة ، ليحرضوا كفارها على غزو المدينة ، ومحاولة القضاء على الإسلام والمسلمين ، فتعاهدوا معهم على ذلك ، ثم خرجوا نحو غطفان ليكتمل عقد الأحزاب ، وتداعت الجموع ، فخرجت من الجنوب قريش وكنانة وأهل تهامة وبنو سليم ، وخرجت من الشرق قبائل غطفان ، وكذلك خرجت بنو أسد ، واتجهت الأحزاب الكافرة نحو المدينة حتى تجمع حولها جيش كبير بلغ عدده عشرة آلاف مقاتل بقيادة أبي سفيان ، والمسلمون حينئذ في حال شديدة من جوع شديد ، وبرد قارص ، وعدد قليل ، وأعداء كُثر ، ولقد وصف الله تعالى هذا الموقف بقوله : { إ ِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا }(الأحزاب 11:10) .
ولما سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزحف الأحزاب إلى المدينة ، وعزمها على حرب المسلمين والقضاء عليهم ، استشار أصحابه ، فقرروا بعد الشورى التحصن في المدينة والدفاع عنها ، وأشار سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ اعتمادا علي خبرته في حرب الفرس بحفر خندق حول المدينة ، وقال : " يا رسول الله ، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا " ، فوافقه وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر بحفر الخندق حول المدينة ، وتمّ تقسيم العمل بين الصحابة بحيث تولّى كل عشرة منهم حفر أربعين ذراعاً ، ثم بدأ العمل بهمّة وعزيمة على الرغم من برودة الجوّ وقلة الطعام وكثرة الأعداء المحاصرين لهم .
ومثل هذه الظروف الصعبة تحتاج إلى حزم ، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أن هؤلاء الجند إنما هم بشر كغيرهم ، لهم نفوس بحاجة إلى الراحة من عناء العمل ، كما أنها بحاجة إلى من يدخل السرور عليهم حتى تنسى تلك الآلام التي تعانيها فوق معاناة تعب الحفر، ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل التراب ليروح عن نفوسهم .
فعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره ـ وكان رجلا كثير الشعر ـ ، وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
يرفع بها صوته ) رواه البخاري .
وعن أنس - رضي الله عنه - أن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون يوم الخندق: ( نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: اللهم إن الخير خير الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة ) رواه مسلم .
لقد كانت لحكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا التبسط والمرح في ذلك الوقت أثرها في التخفيف عن الصحابة مما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يمرون بها ، كما كان لها أثرها في بعث الهمة والنشاط ، لإنجاز العمل الكبير الذي كُلِفوا بإتمامه ، قبل وصول عدوهم .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
لم يكن حفر الخندق أمرا سهلا ، بل اقترن بصعوبات جمَّة ، فقد كان الجو باردا ، والريح شديدة ، والأعداء كُثر، بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذي يتوقعونه في كل لحظة ، وكان الصحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم ، وقد شاركهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهمة عالية لا تعرف الكلل ، وكان يقوم برفع معنوياتهم ، وبث الأمل في نفوسهم ، فأعطى القدوة الحسنة لأصحابه حتى بذلوا ما في وسعهم لإنجاز حفر ذلك الخندق .
عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفر الخندق ، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول ، فشكوناها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجاء فأخذ المعول ثم قال : باسم الله ، فضرب ضربة ، فكسر ثلث الحجر ، وقال : الله أكبر ، أعطيتُ مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ، ثم قال : باسم الله ، وضرب أخرى ، فكسر ثلث الحجر ، فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر المدائن ، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ، ثم قال : باسم الله ، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر ، فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا )رواه أحمد .
وفي حفر الخندق ظهرت مشاركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في آلامهم وآمالهم ، وسرائهم وضرائهم ، فعاني مثلهم أثناء الحفر من ألم التعب والجوع ، بل وصل به الأمر إلى أن ربط حجرا على بطنه الشريف من شدة الجوع ، وحين وجد ما يسد رمقه بعد جوع استمر ثلاثة أيام ، لم يستأثر بذلك دونهم ، بل دعاهم إليه وشاركهم فيه .
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما حُفِر الخندق رأيت بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خَمْصا (جوعا) شديدا ، فانكفأت (رجعت) إلى امرأتي ، فقلت : هل عندك شيء ؟ ، فإني رأيت برسول الله – صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ، فأخرجت إليَّ جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن (شاة في البيت) فذبحتها ، وطحنت الشعير ، ففرغت إلى فراغي وقطعتها في بُرْمتها ، ثم وليت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقالت : لا تفضحني برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - وبمن معه . فجئته فساررته ، فقلت : يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا ، وطحنا صاعا من شعير كان عندنا ، فتعال أنت ونفر معك ، فصاح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : يا أهل الخندق ! إن جابراً قد صنع لكم سؤرا (بقية طعام) فَحَيْهلا بكم ، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تُنْزِلَنَّ بُرْمَتكُم (قِدْركم) ، ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء ، فجئت وجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقْدم الناس حتى جئت امرأتي ، فقالت : بك وبك (أي ذمَّته) ، فقلت : قد فعلت الذي قلتِ لي ، فأخرجت له عجينتنا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ، ثم قال : ادعي خابزة فلتخبز معك ، واقدحي (اغرفي) من برمتكم ولا تنزلوها ، وهم ألف ، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا (شبعوا وانصرفوا) وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو ) رواه البخاري .
لقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ ، المهمة الشاقة في حفر الخندق ، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع ، بعرض تسعة أذرع ، وعمق يقرب من عشرة أذرع ، فقد تم إنجازه في سرعة مذهلة ، لم تتجاوز ستة أيام ، واستطاع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحمي المسلمين والدولة المسلمة ، وكانت لحكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومشاورته لأصحابه ، ومشاركته لهم آلامهم وآمالهم ، الأثر كبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين أتناء العمل ، ومن أسباب كسب المعركة وانتصار المسلمين فيها .
وفي مشاركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه وجنده في حفر الخندق درس للقادة على مر التاريخ ألا يتميزوا عن جنودهم ، ويشاركوهم في آلامهم وآمالهم ، وأن يعطوهم القدوة بفعلهم ، فقد كان النبي ـ صلي الله عليه ـ وسلم قدوة للقائد والعالِم ، بل للناس جميعا ، قال الله تعالي : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[QUO [align=center]
من بدر إلى الحديبية
تأملات في غزوة بدر

تعتبر السيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة نبويّةً متكاملة ، لما تحمله بين ثناياها من الدروس العظيمة والفوائد الجليلة ، التي تلبّي احتياجات الناس وتحلّ مشاكلهم ، وترسم لهم منهج التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها.
وغزوة بدر ، هي إحدى الغزوات المليئة بالعظات والعبر ، والمعاني والدلالات ، فيحسن الوقوف أمام تلك التجربة لإلقاء الضوء على أحداثها واستخراج الفوائد من بين سطورها .
إن أبرز ما جاءت به غزوة بدر ، تأكيد مبدأ الشورى ، باعتباره مبدأً من مباديء الشريعة وأصلاً من أصول الحكم ، وصورةً من صور التعاون على الخير ، يحفظ توازن المجتمع ، ويجسّد حقيقة المشاركة في الفكر والرأي ، بما يخدم مصلحة الجميع .
فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو المؤيّد بالوحي - استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرّات ، فاستشارهم حين الخروج لملاحقة العير ، واستشارهم عندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها ، واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر ، واستشارهم في موضوع الأسرى ، وكلّ ذلك ليعلّم الأمة أن تداول أي فكرة وطرحها للنقاش يسهم في إثرائها وتوسيع أفقها ، ويساعد كذلك على إعطاء حلول جديدة للنوازل الواقعة .
كما أقرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بمبدأ آخر لا يقلّ أهمية عن سابقه ، وهو تطبيق المساواة بين الجندي والقائد ، ومشاركته لهم في الظروف المختلفة ، يتّضح ذلك في إصراره عليه الصلاة والسلام على مشاركة أبي لبابة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في المشي وعدم الاستئثار بالراحلة .
وقد تبيّن بجلاء من خلال هذه الغزوة ، ومن خلال الآيات التي تناولتها ، حقيقة النصر وكونها بيد الخالق سبحانه ، قال تعالى : { وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } ( الأنفال : 10 ) ، وأن النصر لا يتم إلا باستتمام أسبابه كلها ، فليست القوة وحدها هي مفتاح النصر ، ولو كانت كذلك لكان النصر من نصيب المشركين الذين فاقوا الصحابة عددا وعُدّة ، وبذلك نرى أن المسلمين عندما استكملوا أسباب النصر وأتمّوا شروطه تحقّق لهم النصر في هذه المعركة .
وأسباب النصر التي جاء التنبيه عليها تتعلّق بتقوى الله عزوجل والطاعة لأوامر الوحي ، والصبر عند ملاقاة العدو والثبات أثناء المعركة ، وإخلاص النيّة في القتال ، إضافة إلى ضرورة البعد عن أسباب الشحناء والاختلاف ، وأهمية الإكثار من ذكر الله عزوجل قبل وأثناء المعركة ، والتأكيد على إعداد العدّة والأخذ بكافّة الأسباب الممكنة للمواجهة ، والتوكّل على الله عز وجل بعد الأخذ بكافّة الأسباب الحسّية والمعنوية ، وكل هذه الأسباب مبثوثة في عدد من الآيات كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } ( الفرقان : 29 ) ، وقوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس } ( الأنفال : 45-47 ) ، وقوله سبحانه : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } ( الأنفال : 60 ) .
ويأتي الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في مقدّم الأسباب المحقّقة للنصر ، ويظهر أثر ذلك في موقف النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذه المعركة وإلحاحه في الدعاء حتى سقط عنه رداؤه .
وبعد أن استكمل المسلمون شروط النصر وأسبابه رأينا التدابير الإلهيّة التي ساقها الله تعالى ، فجاء المدد الإلهيّ بالملائكة لمساندة المؤمنين ، وجاء التثبيت القلبي الذي رفع من معنويّاتهم ، ونزل المطر ليكون سبباً من أسباب النصر والتأييد بما حقّقه من أثر في تطهير القلوب والأجساد وتثبيت الأقدام ، وكذلك للنعاس الذي تغشّى المؤمنين قبل المعركة كان له أثره في شعورهم بالأمن والطمأنينة ...
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
ومن الفوائد والتوفيقات الإلهية ، تقليل المؤمنين في أعين الكافرين ، لأنه لو كثّرهم في أنظارهم لعدلوا عن القتال ، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } ( الأنفال : 44 ) ، وفي هذه الحالة لن يتأهب المشركون كل التأهب فيستهينوا بقدرات خصومهم ، وفي المقابل فإن تقليل المشركين في نظر المسلمين مع تواضع إمكاناتهم وقلّتها أسهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم .
كما جاءت النصوص القرآنيّة المتعلّقة بهذه الغزوة لتلقي الضوء على قضيّة الغنائم من جميع الجوانب ، مبتدئةً ببيان حقيقة كون المال لله سبحانه وتعالى ، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنما هو مستخلفٌ عليه ، لا يحقّ له التصرّف فيه إلا بأمر إلهي ، ونلمح هذا من خلال إضافة الغنائم لله ورسوله في قوله تعالى : { قل الأنفال لله والرسول } ( الأنفال : 1 ) ، ثم جاء توجيه النظر إلى تقوى الله سبحانه وتعالى والتزام الطاعة ، ونبذ الخلاف والاختلاف ، كالذي حصل في تلك الغزوة .
وفي إباحة الغنائم بيان لمكانة أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – ورحمته بها ، حيث أباح لها الغنائم لمّا علم عجزها وضعفها ، وقد كانت محرّمة على الأمم السابقة ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم ، كانت تنزل نارٌ من السماء فتأكلها ) رواه الترمذي .
ثم جاء التفصيل في كيفيّة توزيع الغنائم في قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ( الأنفال : 41 ).
ومما يُستفاد من هذه الغزوة ، أن العدل والتواضع سببان رئيسيّان في محبة الجند للقائد ، فقد رأينا كيف يدعو النبي – صلى الله عليه وسلم – أحد أفراد الجيش للاقتصاص منه حين ظنّ بأنّع قد أوجعه وهو يسوّي الصفوف ، فترك ذلك الموقف أثراً كبيراً في نفس الصحابي .
وقد حفلت النصوص المتعلّقة بغزوة بدر على الكثير من التقويم والمراجعة والتصحيح ، والتي تتعلق بنظرتهم إلى الأحداث وتعاملهم مع القضايا التي واجهوها ، ففي قضيّة الغنائم نجد أن الخطاب القرآني كان صريحاً في معاتبة المسلمين على النزعة الدنيوية التي بدرت من بعضهم في هذه الغزوة ، قال تعالى : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ، والله عزيز حكيم } ( الأنفال : 67 ) ، وفي ذلك درسٌ تربويٌ في سمو الأهداف وعظمة الغايات مهما كانت الأحوال والظروف .
وفي قضيّة التعامل مع الأسرى وجّه القرآن الكريم النظر إلى وجوب قتل المشركين وعدم استبقائهم – خصوصاً في المراحل الأولى من المواجهة - حتى تضعف شوكتهم ويذلّ كبريائهم ، وأن النزعة الرحيمة التي تملّكت مشاعر المسلمين لم تكن في موضعها .
وفي سياق الغزوة العديد من المشاهد التي تظهر عقيدة الولاء والبراء ، وتبيّن أن رابطة الدين فوق رابطة الأخوّة والنسب ، ويتجلّى ذلك في موقف أبي بكر الصديق رضي الله الذي أظهر استعداده لقتل ولده المشرك في ساحة المعركة ، وموقف مصعب بن عمير رضي الله عنه عندما قال لآسر أخيه " شدّ يديك به ؛ فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك " ، فقال أخوه : " يا أخي هذه وصاتك بي ؟ " ، فردّ عليه : " إنه – أي الذي أسرك - أخي دونك " رواه ابن إسحاق وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضيّة الأسرى : " ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريباً لعمر - فأضرب عنقه ، وتمكن علياً رضي الله عنه من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان – أخيه - فيضرب عنقه ؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ".
وفي إصرار النبي – صلى الله عليه وسلم – على أخذ الفدية كاملة من عمّه العباس درسٌ آخر في عدم المحاباة أو المجاملة لأحدٍ كائناً ما كان ، إذا تعلّقت القضيّة بالدين .
وضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – مثلاً رائعا حينما أبدى استعداده للتضحية بأقرب الناس إليه ، وذلك عندما اختار من أهله وعمومته للمبارزة.
وتظهر حنكة النبي – صلى الله عليه وسلم – وذكاؤه حينما استطاع تحديد عدد أفراد جيش قريش من خلال كلام الأسير ، وهي إشارةٌ أخرى إلى ضرورة جمع المعلومات وتحليلها لتقدير إمكانيّات العدو .
ويُستفاد من الغزوة أيضا : أثر ثبات القائد في ثبات جنوده ، خصوصاً إذا كان محبوباً لديهم ، لأن الجنود في ساعات الخطر تتوجّه أنظارهم مباشرة إلى القادة ، فإذا رأوا منهم بوادر الثقة والطمأنينة والروح المعنوية العالية أثّر ذلك في نفسيّات الجنود بلا شك .
وفي اختيار الحباب بن منذر رضي الله عنه لعين بدر واقتراحه بردم بقيّة الآبار إشارة ذكيّة إلى ضرورة قطع الإمدادات عن العدو ، فإن ذلك مما يكسر شوكة الكافرين ويصعب المهمة عليهم .
ونجد في الغزوة أيضا : مراعاة القائد لظروف جنده ، فقد أعذر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عثمان رضي الله عنه لظروف زوجته ، وأعذر حذيفة بن اليمان ووالده رضي الله عنهما وفاءً بوعد قطعوه بعدم المشاركة في قتال كفّار قريش.
وفيها أيضا : ضرورة تقدير القائد للأدوار التي يقوم بها جنوده حينما أعطى أبا لبابة رضي الله عنه جزءاً من الغنيمة لقيامه بمهمة خاصة في بني عوف ، ومثله عبدالله بن أم مكتوم الذي أوكل إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – الصلاة بالمسلمين .
وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أكثبوكم - يعني غشوكم- فارموهم واستبقوا نبلكم ، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ) رواه البخاري وأبوداود يظهر حسن التدبير العسكري ، وذلك حينما أمرهم بالدفاع عن بعد برمي السهام ، والاقتصاد في رميها ، وسل السيوف عند تداخل الصفوف فحسب .
تلك إشاراتُ سريعةٌ لبعض ما تضمّنته غزوة بدر من فوائد ، والحق أن هذه الغزوة بحاجة إلى وقفات أخرى أكثر عمقاً لبعدها التاريخي وكونها ركيزة دعوية مهمّة للعلماء والدعاة والمصلحين .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
مشاهد من غزوة بدر

( لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) وسام شرفٍ علّقه النبي– صلى الله عليه وسلم – على صدور أصحابه الذين شاركوه في أكبر انتصاراته وأعظمها ، وكيف لا ؟ ويوم بدر كان فاصلاً بين مرحلتين : مرحلة الاستضعاف والإذلال ، ومرحلة المواجهة والتمكين ، وفاصلاً بين فريقين ، فريقٌ يُقاتل في سبيل الله ، وآخر يُقاتل في سبيل الطاغوت ، فكان من حق هذا اليوم أن يُسمّى (بيوم الفرقان ) كما في كتاب الله تعالى.
وتعتبر هذه الغزوة المباركة يوماً عظيماًً من أيام التاريخ الإسلامي ، حيث كانت البداية الحقيقيّة لظهور المسلمين وعلوّهم ، وكل انتصارٍ تلى ذلك اليوم سيظل مديناً لهذه المعركة التي كانت شرارة البدء للفتوح الإسلامية ، فكيف بدأت هذه الغزوة ؟ وما هي بواعثها ؟ .
نقطة البداية كانت في السنة الثانية من الهجرة ، حينما سمع المسلمون بقدوم قافلةٍ عظيمة من الشام تحمل أموال قريشٍ وتجارتها ، ويقودها أبو سفيان مع عددٍ محدود من رجاله ، فرأى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – فرصةً سانحةً لتوجيه ضربةٍ موجعةٍ إلى عصب الحياة الاقتصاديّة لأهل مكّة ، فضلاً عن كونها تعويضاً عن الأموال التي استولى عليها المشركون من المهاجرين ، فحثّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه على الخروج قائلاً : ( هذه عير قريش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله أن يُنفلكموها – أي يجعلها غنيمة - ) رواه ابن إسحاق
لقد كانت النيّة إذاً ملاحقة القافلة واغتنامها ، ولذلك لم يخرج من الصحابة سوى ثلاثمائة وبضعة عشر رجل ، معهم فَرَسان وسبعون بعيراً يتعاقبون عليها في الركوب .
وكان من نصيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعيرٌ يتعاقب عليه هو وأبو لبابة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، الذين عرضا عليه أن يتركا له البعير ليركبه ، فقال لهما : ( ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما ) رواه أحمد .
ووصلت الأنباء إلى أبي سفيان بخروج النبي – صلى الله عليه وسلم – فأصابه الرعب ، وأرسل رجلاً يُقال له ضمضم بن عمرو الغفاري ليستنجد بأهل مكّة كي ينقذوا أموالهم من أيدي المسلمين .
ويقدّر الله في ذلك الوقت أن ترى عاتكة بنت عبد المطلب رؤيا غريبة ، كانت تتعلّق بقدوم راكبٍ إلى مكّة ووقوفه بين الناس ، ثم صراخه بأعلى صوته : ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم ، وصعوده إلى رأس جبل أبي قبيس وأخذه لصخرة كبيرة قام بقذفها من رأس الجبل ، فتحوّلت تلك الصخرة إلى فتات تناثر على جميع بيوت مكّة ، وتناقل الناس تلك الرؤيا بين مصدّقٍ لها وساخرٍ منها .
وجاءت الأيام لتصدّق تلك الرؤيا ، فبعد ثلاثة أيامٍ تحديداً وصل ذلك الرجل ، وقام يصرخ في الناس قائلاً : " يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث "
فنهضت قريشٌ برجالها وعتادها ، ولم يتخلّف من أشرافهم سوى أبي لهب ، والذي بعث رجلاً نيابةً عنه ، وسرعان ما احتشدت القوّات من بطون قريشٍ وما حولها من القبائل ، حتى بلغ عددهم ألفاً وثلاثمائة مقاتل ، وهم يحدّثون أنفسهم بسهولة المهمّة ، ولم يعلموا أن الأمور ستتطوّر إلى معركة فاصلة ويوم مشهودٍ في تاريخ البشريّة .
وفي هذه الأثناء كان أبو سفيان في قمة توتره وتحفزّه ، فلو تمكّن المسلمون من الوصول والاستيلاء على القافلة فستكون خسارة فادحة لقريش ، لذلك لم يدّخر جُهداً في تتبّع أخبار المسلمين ورصد تحرّكاتهم ، حتى سمع عن راكِبَيْنِ نزلا بالقرب منه ، فذهب إلى موضعهما ، وقام بفحص البعر الذي خلّفته الإبل ، فرأى فيها أثراً لنوى تمر المدينة ، فعلم أن المسلمين قريبين منه ، فأسرع في تغيير خط سير القافلة واتخذ طريق الساحل ، وتمكّن من الهرب.
ولمّا رأى أنه تجاوز مرحلة الخطر أرسل إلى قريش قائلا : "إن الله قد نجّى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا " ، فاستحسنت بنو عديّ رأيه وعادت إلى مكّة ، لكنّ أبا جهل أصرّ على المضيّ في قتال المسلمين بالذين معه ، وقال : " والله لا نرجع حتى نأتي بدراً فنقيم بها ثلاثاً ، فنطعم بها الطعام ، وننحر بها الجزر ، ونسقى بها الخمر ، وتعزف علينا القيان – أي المغنّيات - ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا ، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبداً " ، وكانت جهالة أبي جهل وغروره هي بداية النهاية لأشراف قريش .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
صورة العضو الرمزية
ناجي عثمان عبد الرازق
مشاركات: 31498
اشترك في: الخميس 2010.3.4 7:12 pm
مكان: السعودية

رد: السيرة النبويــة العطــرة

مشاركة بواسطة ناجي عثمان عبد الرازق »

[align=center]
من بدر إلى الحديبية
ووصلت الأنباء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعزم قريش على القتال ، فأراد أن يُوقف الصحابة على حقيقة الموقف وحتميّة المواجهة ، لكن مواقف الصحابة تباينت ، فقد أظهر فريقٌ منهم كراهيّته للمواجهة ، لعدم استعدادهم لها ، وقام يراجع النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ، وقد سجّل القرآن موقفهم في قوله تعالى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكرهون ، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } ( الأنفال : 5-6 ).
بينما أيّد قادة المهاجرين فكرة القتال وتحمّسوا لها ، وقال المقداد رضي الله عنه للنبي – صلى الله عليه وسلم - : " والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } (المائدة :24 ) ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك ، ومن بين يديك ومن خلفك " رواه البخاري ، فأشرق وجه النبي – صلى الله عليه وسلم - لقوله .
لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يطّلع على موقف الأنصار ، فهم أغلب الجند ، وبيعة العقبة لم تكن تُلزِمُهم بحماية النبي – صلى الله عليه وسلم – خارج نطاق المدينة ، فظلّ يردّد قائلاً : ( أشيروا عليَّ أيها الناس ) ، فأدرك سعد بن عبادة مُراد النبي عليه الصلاة والسلام فقال : " إيانا تريد يا رسول الله ؟ ، قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، لا يتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا ، إنا لصُبر عند الحرب صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسِر بنا على بركة الله " ، فأشعلت تلك الكلمات الصادقة حماسة الصحابة فاستقرّ رأيهم على القتال ، ووثقوا بموعود الله ونصره ، وسُرّ النبي – صلى الله عليه وسلم – من جوابهم وقال : ( سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ) رواه ابن إسحاق .
وبدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – يُعدّ الناس للمواجهة المرتقبة ، وبدأ بتنظيم أصحابه وتقسيمهم على ثلاثة ألوية ، وجعل لواء الحرب عند مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم استعرض أصحابه فأخرج الصغار ومنعهم من المشاركة في القتال ، وكان من بين أولئك عبدالله بن عمر والبراء بن عازب رضي الله عنهما .
وبينما هو كذلك إذ أقبل رجل من المشركين يريد أن يُشارك في القتال ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( ارجع فلن استعين بمشرك ) ، وعاود المحاولة مراراً ورسول الله يكرّر الجواب ذاته ، حتى أعلن الرجل إسلامه فسمح له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالخروج معه ، رواه أحمد .
وواصل الجيش مسيره حتى بلغوا قريباً من بئرٍ يقال لها بدر ، فأرسل النبي – صلى الله عليه وسلم نفراً من أصحابه لاستطلاع أخبار المشركين ، فوجدوا غلامين من غلمان قريش فقبضوا عليهما ، واقتادوهما إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فحاول عليه الصلاة والسلام أن يستعلم منهما إمكانات قريشٍ وعدد أفرادها لكنهما رفضا الإجابة ، فقال لهم : ( كم ينحرون من الجزر –أي الإبل - ؟ ) فقالا : عشرا كل يوم ، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم – أن عددهم يقارب ألف مقاتل ، فأقبل على الناس فقال : ( هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ) رواه ابن إسحاق .
إذاً فالوضع خطير ، والعدوّ يفوقهم عدداً وعُدّة ، فما أحوجهم في تلك اللحظات إلى عونٍ إلهيّ ومثبّتات إيمانية ، تُلقي على قلوبهم السكينة واليقين بحصول النصر ، فأرسل الله تعالى على المؤمنين أمطار خيرٍ وبركة ، كان لها أثرٌ بالغٌ على النفوس فطهّرتها ، وعلى القلوب فاستيقنت بالنصر وتسلّحت بالصبر ، وعلى الأرض فتماسكت تربتها واشتدّت.
كما أيّد الله تعالى المؤمنين بالنعاس الذي أصابهم تلك الليلة ، فكان سبباً في إزالة الخوف ويثّ السكينة في القلوب ، وقد سجّل القرآن تلك اللحظات ، قال تعالى : { إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام } ( الأنفال : 11 ).
ومما رجّح الكفة لصالح المسلمين الخلاف الذي نشأ بين زعامات قريش ، فقد حاول عُتبة بن ربيعة أن يُثني الناس عن الدخول في المعركة ، وأنكر عليهم قتال أنسابهم وأرحامهم ، وحذّرهم من شجاعة المسلمين وبسالتهم في القتال ، فاتهمه أبو جهل بالجبن والضعف ، وأصرّ على مواصلة الزحف ، وكان تعليق النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك الموقف أن قال : ( إن يك عند أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر – يعني عُتبة بن ربيعة - إن يطيعوه يرشدوا ) رواه ابن أبي شيبة .
وبدأ السباق الشديد نحو ماء بدر بين كلا الفريقين ، حتى تمكّن جيش المسلمين من سبق أعدائهم والنزول بالقرب منها ، وفي تلك الأثناء وقف الحباب بن منذر رضي الله عنه يطوف ببصره في أرجاء المعسكر يتأمّله بعينٍ فاحصة ، ويستحضر معارفه السابقة في تضاريس المنطقة ، فلم يُعجبه اختيار المكان ، وبدا له رأيٌ آخر ، فذهب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مسرعاً وسأله إن كان اختيار ذلك الموضع وحياً من الله لا مجال للرأي فيه أم أنه مجرّد اجتهاد ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم : ( بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) ، فاقترح عليه أن ينزلوا عند أقرب الآبار إلى المشركين ثم يقوموا بردم بقيّة الآبار ليحرموا جيش المشركين من الماء ، فأُعجب النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفكرة ووضعها قيد التنفيذ .
.•┈┈┈┈••┈┈┈┈•

[align=center]صورة
[/align][/size][/align]
أضف رد جديد

العودة إلى ”قطاف إسلامية“