13 يونيو 2012
من يبني عشته على حافة نافذة مفتوحة للريح!
... نافذة تستقبل الشمس في النهار من مشرقها حتى قبيل المغيب،،، وتضيء جنباتها مصابيح الكهرباء من المغيب إلى منتصف الليل.
يا لك من طائر غريب.
لو لم تكوني أنثى بلغت النضج وتستعدّ لاستقبال فرخيها لقلت أنك "قمرية" غرّ لم تصقلها التجاريب ولا أرّقت عينيها أحداث الليالي.
لم أر في لداتك من تقيم عشتها على سطح الأسمنت، وتخاطر بوضع بيضتيها وشقاء عمرها على نافذة في مهب الريح،،، على خلاف نواميس الطير وعوائد العقلاء في مملكة الحيوان،،، وعلى نقيض مسلك الطبيعة ودأبها في ترتيب أشيائها بمنطق سويّ ونمط لا محيد عنه.
لو لا انك "قمرية" مرجوجة العقل لوجدت في شجرة الليمون المهدّلة الأغصان أمامك مطرحاً أليق لبيتك ومأوى لصغارك، ولكنك بالاختلال الفاضح في أسلاك مخك اخترت سطح الخرسانة على مهاد شجر الليمون لبناء عشتك!
لم أكن كثير السعادة بالقمرية التي جاءت تساكننا دون اختيارنا،،، ولمً يغرّني فرح أطفالي واحتفاؤهم بجارتنا الجديدة،،، ولا ببيتها العشبي ولا ببيضتيها.
كنت مهموماً بالأفراخ الإضافية التي دخلت في عهدتي،،، مثقل القلب بأرواح غيرها داخل بيتي معرضة للريح،،، وعليّ أنا رب الأسرة حمايتها.
كرب أسرة يعرف مسئولياته،،، قمت بما ظننت أنه كل ما كان بمستطاعي من واجب تجاه ضيفتنا الجديدة.
أعطيت أفراخي أوامر مشدّدة بعدم فتح زجاج النافذة أو ملامستها،،، حذرتهم أن "قمريتهم" ستفزع من صرير الزجاج،،، وسترحل عنا إذا أسأنا جيرتها.
أوضحت لهم بعبارات لا لبس فيها أن كل ما هو مسموح به في مقاربتها هو "النظر من وراء النافذة الزجاجية".
بغرام قديم بالمآلات وأفق محدود بمدركي البشري،،، كنت كلما تأملت حال ضيفتنا أتساءل بحزن في سرّي دون أن أجازف بجرح مشاعرها: "ترى ما الذي يحملها على كل هذا الرهق؟ هب أن قصتها انتهت إلى أفضل خاتمة ممكنة: ستخرج إلى الدنيا قمريتان تشقان طريقيهما في فضاء الطبيعة،،، وتتركانها على حافة النافذة الخرسانية،،، دون كلمة وداع!"
استعضت بطرافة الفرجة عن بعض حنقي من أعباء الضيافة والتفكير في المآلات.
نقف كل صباح، أنا وأطفالي، وننظر من وراء الزجاج إلى القمرية الأم وهي جالسة في عشتها.
يدهشني صبرها على المكوث جائعة، مضمومة الجناحين على بيضتيها، طوال النهار داخل بيت من القش لا يكاد يسعها،،، لم تكن تفزعها نظراتنا،،، فقط تظل تنظر إلى الأفق البعيد ساهمة دون أن تعيرنا انتباهة.
بحدود الأسبوع الخامس من عمر جيرتنا كانت القمرية الأم تقف وحدها على الطرف القصيّ من حافة النافذة.
وقفت أتأمل حالها،،، لم أجد في عينيها الصافيتين كبلور أثراً لمرارة افترضها حدسي الآدمي.
كانت متيقظة لنظراتي إليها من وراء الزجاج.
تتلفت يمنة ويسرة كلما تقاطعت أعيننا.
ثم سمعت هديلاً من تلقاء شجرة الليمون،،، وهديلاً آخر يتجاوب معها من نافذة بيتنا.
بدا لي غناءً مفعماً بالحياة لإلفين التقيا بعد فراق.
ثم رنّ جرس هاتفي ومضيت أحادث صديقاً طلب مني وصف الطريق إلى بيت صديق آخر.
حين ضغطت على الزر الأحمر في هاتفي ونظرت من النافذة كان على شجرة الليمون طائران يتناجيان.
لم أكن احتاج لمعرفة لغة الطير لأفهم مناجاتهما.
كان الالفان يتفاهمان على مشروع بناء عشة جديدة.
ربما على أغصان شجرة الليمون هذه المرة.
منقول
عشة في مهب الريح
المشرف: بانه
- صلاح الدين محمد
- مشاركات: 1649
- اشترك في: الأربعاء 2009.3.18 4:31 pm
- مكان: الامارات
رد: عشة في مهب الريح
مشكوووور علي الاختيار الجميل اخي
- مرسال الشوق
- مشاركات: 14746
- اشترك في: الاثنين 2009.11.2 3:49 pm
- مكان: عارفني منــــــــــــــك
رد: عشة في مهب الريح
طرح جميل ..... مشكووور ياحبة
- الماسة الخماسية
- مشاركات: 5439
- اشترك في: السبت 2010.4.3 2:09 pm
- مكان: مكان
رد: عشة في مهب الريح
إنتقاء مميز ،،
سلمت أياديك .
سلمت أياديك .
- جعفر الصادق
- مشاركات: 126
- اشترك في: الاثنين 2014.12.22 11:52 pm
- مكان: Khartum
رد: عشة في مهب الريح
[INDENT]نايس اختيار مشكور[/INDENT]